[الشرط الرابع: السلامة من الشذوذ]
الشرط الرابع: السلامة من الشذوذ.
والشذوذ له معنيان في الاصطلاح: المعنى الأول هو: ما خالف فيه الثقة من هو أوثق منه.
والفارق بين الشذوذ وبين زيادة الثقة دقيق جداً، فالشذوذ فيه مخالفة، وزيادة الثقة ليس فيها مخالفة.
فالمعنى الأول من معاني الشذوذ: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق أو أحفظ منه، حتى وإن كان واحداً، كأن يخالف راو صدوق راوياً ثقة؛ لأن مسألة الصدق أقل في التعديل من مسألة التوثيق، وكذلك الثقة أقل في الحفظ والضبط من الحافظ، والحافظ أقل في الحفظ والضبط من أمير المؤمنين في هذا العلم.
وكما أن التعديل درجات، فكذلك الجرح درجات، وأعلى مراتب التعديل ما كان بصيغة أفعل التفضيل، كأن نقول: أوثق الناس، أو أحفظ الناس، أو أضبط الناس، أو أتقن الناس، هذه أعلى درجات التعديل.
ومنها: أن يكون اللفظ مكرراً، كأن نقول: ثقة ثقة، أو يكون اللفظ أو اللفظان مقترنين، كأن نقول: ثقة حافظ، أو ثقة متقن، أو ثقة ضابط أو غير ذلك.
ثم بعد ذلك نقول: ثقة، وصدوق، ولا بأس به، وليس به بأس، ويحتمل، ويعتبر به، وغير ذلك من الألفاظ التي تدل على التعديل.
فمنها العالي، ومنها العالي جداً، ومنها الوسط، ومنها الداني.
وكذلك ألفاظ الجرح تختلف تبعاً لاختلاف ألفاظ التعديل، فمنها: أكذب الناس، وكذّاب، ويكذب، ويسرق الحديث، وضعيف، ومن أضعف الناس، ولا يعتبر به، والمستور والمغفّل وسيئ الحفظ، وكثير الخطأ وغير ذلك من الألفاظ التي تفيد الجرح.
فإذا خالف الثقة حافظ، أو الصدوق فنقول: الرتبة في التعديل مختلفة مع مخالفة الرواية، وفي هذه الحالة نحكم على هذا الحديث بأنه حديث شاذ؛ لمخالفة الثقة لمن هو أوثق منه.
والمعنى الثاني من معاني الشذوذ هو: مخالفة الثقة لمجموع الثقات، فلو أن عشرة رواة في درجة واحدة من التوثيق والتعديل، ورواية أحدهم تخالف رواية التسعة، فلا شك أن المعقول والمقبول نسبة الخطأ إلى الواحد لا إلى الجماعة، واحتمال الوهم والخطأ والنسيان عليه أقرب وأولى من إلصاقه بالجماعة، فنقول في هذه الحالة: إن هذا الراوي أخطأ رغم أنه ثقة.
فالحديث الشاذ: هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، أو لمجموع الثقات.