وأبو يعلى الخليلي والحاكم يعرفان الحديث الشاذ بأنه تفرد الثقة، أي: أنه الحديث الذي لم يأت من وجوه أخر.
وهذا التعريف مردود، وإن كان سليماً من الناحية اللغوية؛ لأن التفرد والغرابة في اللغة بمعنى الشذوذ.
وقد رد الشافعي والإمام النووي وابن الصلاح وغيرهم على الحاكم وأبي يعلى وقالوا: إذا أردتم أن تردوا الأحاديث الأفراد التي انفرد بها الثقة فستردون معظم السنة، وستتعطّل معظم الأحكام، وستتعرى عن الدليل؛ لأنه ليس دليل كل مسألة في الدين جاء من عدة طرق، بل معظم المسائل جاء الدليل عليها من طريق واحد، فإن حكمت على هذا الطريق بأنه شاذ فقد وجب رده، وبالتالي سترد معظم أحكام الشريعة؛ سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام أو العبادات أو المعاملات أو الأخلاق أو غير ذلك، وهذا القول في منتهى الخطورة، ثم استغله بعد ذلك قوم في رد قبول خبر الواحد، وهذا مذهب فاسد، وليس مرجوحاً فحسب، وهو خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضي الله تعالى عنهم.
وأول حديث يلزم رده على هذا التعريف حديث عمر بن الخطاب:(إنما الأعمال بالنيات).
فقد تفرد به عمر وهو صحابي، ثم تفرد به علقمة بن وقاص الليثي عن عمر وهو ثقة، فلو قلنا: إن حديث الثقة الفرد شاذ للزمنا أن نقول: إن حديث (إنما الأعمال بالنيات) غير مقبول، مع أن أهل العلم يقولون عن هذا الحديث: إنه الدين كله، ومنهم من قال: هو نصف الدين، ومنهم من قال: هو ربع الدين، ومنهم من قال: مدار الدين على أربعة أحاديث، منها حديث:(إنما الأعمال بالنيات).
فلو رددنا كل حديث تفرد به الثقة للزمنا أن نرد معظم السنة، وبذلك تتعطل معظم المسائل والأحكام في الشريعة الإسلامية.
وقال أبو يعلى الخليلي: الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ به شيخ ثقة أو غير ثقة.
ونسبته هذا القول لحفاظ الحديث من باب التعدي.
وهذا الكلام لا يمكن قبوله حتى من الناحية العقلية والعملية، فأنت في حياتك العملية لا يمكنك أن ترد خبر الثقة الأمين الضابط المتقن، صاحب الديانة والعدالة الضبط والفهم.