فإذا فقد الكتاب لأي علة من العلل التي ذكرناها فلا يمنع أن يكون الراوي ضابطاً ضبط صدر وضبط كتاب، ولكن من غلب عليه الاعتماد على الكتاب فلا يؤمن عليه الغلط في ضبط الصدر إذا حدّث من غير كتاب، وهذا لا يمنع من أنه يحفظ أحياناً، فإذا فقد الكتاب فإن وافقت روايته رواية الثقات قبل حديثه، وإذا لم توافق روايته رواية الثقات رُد حديثه، هذا في حالة ما إذا كان له أقران، أو أتت هذه الرواية من غير طريقه.
ولو كان هو المتفرد بالرواية فإن كان غالب اعتماده على الكتاب ردت روايته بعد فقده للكتاب.
فإن لم يعرف متى فقد الكتاب، ولا الأحاديث التي حدّث بها قبل فقد الكتاب وبعد فقده، ردت جميع رواياته إلا ما وافق منها الثقات، فإذا خالف الثقات أو تفرد برواية ليست عند غيره ردت، وأما ما وافق فيه الثقات أو جاءت الرواية عنه من طريق من رووا عنه قبل الاختلاط، أو قبل ضياع الكتاب، أو قبل حرقه، فلما ضاع الكتاب أو احترق أو اختلط الراوي توقفوا عن الرواية عنه، فتقبل روايته من طريقهم.
وذلك مثل عبد الله بن لهيعة، فقد كان يحدث من كتاب ثم احترق كتابه، وكان أشهر من أخذ عنه قديماً عبد الله بن المبارك وعبد الله بن يزيد المقرئ وعبد الله بن وهب المصري، ثم لما حدث لكتاب ابن لهيعة ما حدث توقفوا تماماً عن الرواية عنه، والذين توقفوا عن الرواية عنه بعد احتراق كتبه بلغوا ثماني عشرة نفساً، وهم مذكورون في كتب التراجم والرجال، لكن أشهر الرواة الذين توقفوا عن الرواية عنه هم العبادلة الثلاثة - ابن المبارك وابن يزيد المقرئ وابن وهب - فإذا أتت الرواية عن ابن لهيعة من طريق هؤلاء العبادلة فهي على الاستقامة؛ لأنهم رووا عنه قبل الاختلاط، فلما ضاع كتابه توقفوا عن الرواية عنه.
فإذا عُلم من ترجمة الراوي أنه توقف عن الرواية عمن اختلط قُبل حديثه، وما لم يُعلم عنه توقُف فيه، ونرجع إلى الأصل، فما وافق فيه الثقات أخذنا به، وما خالف أو انفرد رددناه.