وأما واضعه فأول من جمع قواعد الرواية أبو محمد الرامهرمزي في كتاب المحدث الفاصل، ولكن كتابه مبعثر وغير مرتب، فأحياناً تجد المصطلحات البسيطة التي نأخذها في البداية موجودة في آخر كتابه، ومسائل من آخر العلم موجودة في بداية كتابه، وغير ذلك.
وأتى بعد ذلك ابن الصلاح فقنن القوانين وأصّل الأصول وقعد القواعد في مقدمته، ولكنه لم يستوعب جميع مسائل هذا العلم، ثم اشتغل العلماء بعد ذلك بشرح وترتيب وتصنيف وتبويب هذا الكتاب، حتى اشتهرت مقدمة ابن الصلاح، بحيث إنك لو سألت طلبة العلم: من أول من وضع هذا العلم؟ لقال لك: ابن الصلاح، ونسي الرامهرمزي؛ لأن كتابه في الحقيقة قليل النفع إذا قورن بكتاب مقدمة علوم الحديث لـ ابن الصلاح.
وليس معنى أنه قليل النفع أنه لا ينتفع به أبداً، بل بالعكس، ففيه مسائل لا تجدها في غيره، ويكفي أنه كتاب في قوانين الرواية مسنداً، يعني: يرويه بإسناد، وهذه ميزة لا تتوفر في أي كتاب صُنف في أصول الرواية مطلقاً، فلم يصنف أحد في أصول الراوية كتاباً مسنداً إلا أبا محمد الرامهرمزي.
ثم بعد ذلك تتابع العلماء وتكاثروا في التصنيف في هذا الفن وفي هذا الشأن.
ومنهم من اهتم بقوانين الرواية، ومنهم من اهتم بالآداب التي ينبغي على الراوي والمستمع أن يتحليا بها، وبرز في هذا الشأن الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى، فإنه صنف في كل فن يمس الرواية، سواء من حيث القوانين أو من حيث الأدب، وأشهر كتاب له وأجمعه في قوانين الراوية كتاب الكفاية، وقوانين الرواية هي: الأصول العلمية والقواعد الكلية لعلم مصطلح الحديث، وصنف كتاباً عظيماً غزير الفائدة في أدب الرواية، أي: فيما ينبغي على العالم والمتعلم أن يتحليا به من أخلاق وآداب، سواء كانت هذه الأخلاق والآداب مع الله عز وجل، أو مع طلبة العلم، أو مع الكتب التي يتعامل معها؛ سواء العالم أو المتعلم.
اسم هذا العلم هو: أصول الحديث، ومصطلح الحديث، وأصول الرواية، ومصطلح أهل الأثر.