المسائل المختلف فيها خلافاً معتبراً ليس فيها إنكار، وهذا أصل من أصول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فالمسائل التي اختلف فيها أهل العلم اختلافاً سائغاً ليس فيها إنكار، وليس معنى ذلك أن تقول كما يقول شيخنا الحافظ ناصر الدين الألباني في مسألة مسح الوجه بعد الدعاء: إن الحديث بكثرة طرقه ضعيف، وبناء عليه قال ببدعية مسح الوجه باليدين بعد الدعاء، فإذا تبنيت رأي الشيخ ناصر الدين الألباني فلك أن تقول: إن الأمر ليس مسنوناً، وأما كونه بدعة فلا؛ لوجود الرأي الآخر المستند إلى نفس الدليل، ومسألة التضعيف والتحسين مسألة اجتهادية، والمجتهد يخطئ ويصيب، وربما يكون المخطئ من ضعّف وربما يكون من حسّن.
فإذا احتملت المسألة التأويل والاحتمال فلا شك أن من العدل والإنصاف أن يتحمل كل طرف الطرف الآخر، أي: أن يستسيغ رأيه، وكما يقول الشافعي: رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب.
وليس معناه: أنك إذا اقتنعت برأي أنه لزاماً عليك أن تعتبر رأي الغير خطأ، فربما يكون ما تيقنته أنت الآن صواباً هو الخطأ بعينه، فالمسألة التي فيها خلاف معتبر مستند إلى دليل لا يمكن إلغاؤه، مثل مسألة الحجاب والنقاب، فالراجح النقاب، ولكن لا ننكر على من يقول بكشف الوجه واليدين -وإن كنا نتمنى أن يرجع كل من يقول بهذا القول عن رأيه- لرجحان دليل القول بالستر.
لا يمكن بحال أن تكون طالباً للعلم إذا تربيت على أن تسمع رأي عالم واحد دون الآخر، ولا يمكن أن تفلح ولا تنجح في حياتك العلمية مطلقاً، بل لا بد أن يتّسع صدرك للمخالف، وأن يكون النقاش بينكما بمنتهى الأدب والحب والعطف، وأن يخلو الأمر عن الهوى، وكل منا متعبد بأن يعبد ربه بما صح عنده، لا بما صح عند غيره، وإذا كنت طالباً للعلم لك نظر واستدلال، وتستطيع أن تنظر في أقوال أهل العلم والترجيح بينها، فتعبد ربك بما ترجح عندك، وإذا سُئلت فمن باب الإنصاف في العلم -الذي هو شرط من شروط العلم- ذكر الخلاف، ثم رجّح الراجح عندك، فإن لم تفعل هذا فأنت عند أهل العلم من الخائنين للعلم.