وأما البلوغ فقد اختلف أهل العلم في اشتراطه أيضاً في الرواية، وأرجح الأقوال أنه مشروط في الأداء دون التحمّل، والدليل على ذلك: حديث محمود بن الربيع رضي الله عنه في صحيح البخاري في كتاب العلم قال: (عقلت مجة من النبي صلى الله عليه وسلم مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين).
ولا شك أن الغلام في هذه السن لم يبلغ، ولكنه حينما ميّز وعقل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم معه وهو في هذه السن قلنا بصحة التحمّل قبل البلوغ، وإما إسماعه الحديث لغيره فيشترط فيه البلوغ.
وقد ذكر الحافظ الخطيب البغدادي في كتاب الكفاية بعلم الرواية اختلاف العلماء في اشتراط البلوغ، وهل يشترط في التحمّل أو في الأداء؟ وقد اشترطوا لذلك شروطاً وخالفوها من ناحية العمل، وقد ذهبوا مذاهب شتى في تحديد سن معينة للتحمّل، والراجح: أن البلوغ شرط في الأداء وليس في التحمّل.
وكان السلف رضي الله تبارك وتعالى عنهم يُسمعون أولادهم وهم غلمان صغار الحديث والقرآن، وقد يكمل أحدهم حفظ القرآن وهو صغير لم يبلغ العاشرة، فيؤتى به إلى مجالس أهل العلم ليسمع الحديث وغيره من صنوف وأفنان العلم.