وفي الصحيحين روايات كثيرة عن المدلسين بصيغة: عن وقال، ولم يصرحوا فيها بالتحديث، ولا يعني هذا أن هذا الحديث أخطأ فيه صاحبا الصحيحين؛ لأن المدلّسين في الصحيحين وإن لم يصرحوا بالسماع فروايتهم محمولة على ثبوت سماعهم من طرق أخرى، وما دام سماعهم ثابتاً فلا يضر بعد ذلك أن يرويه صاحبا الصحيح بالطريق التي فيها العنعنة.
وللبخاري ومسلم أغراض حملتهما على رواية الحديث من طريق العنعنة دون طريق السماع، منها: أن الإسناد المعنعن إسناد عال، والإسناد الذي فيه حدثنا إسناد نازل، فيخرجان الرواية العالية دون النازلة.
ومنها: أنه قد يكون في الرواية التي ثبت فيها السماع وصرّح فيها المدلّس بالتحديث راو ضعيف غير ذلك المدلّس، فلا توافق شرط البخاري أو شرط مسلم، ولكنهما يأخذان العبرة فيها من تصريح المدلّس فيها بالسماع، ويرويان الحديث بطريق العنعنة.