للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

العلاقة بين تنقيح المناط والسَّبْر والتقسيم

تقدَّم أن تنقيح المناط هو: أن يدل نصٌّ ظاهرٌ على التعليل بوصفٍ، فَيُحْذَف خصوصه عن الاعتبار، ويُناط الحُكْم بالمعنى الأعمِّ، أو يقترن بالحُكْم أوصافٌ مذكورةٌ في النصِّ لا مدخل لها في العِلِّية، فتُحْذَف عن الاعتبار، ويُنَاطُ الحُكْم بالباقي (١).

كما تقدَّم أن السَّبْر والتقسيم هو: حصر الأوصاف الموجودة في الأصل المقيس عليه، وإبطال ما لا يصلح منها للعِلِّية، فيتعين الباقي عِلَّةً (٢).

فهل يوجد فرقٌ بين تنقيح المناط والسَّبْر والتقسيم، وما العلاقة بينهما؟

اختلف الأصوليون في ذلك على ثلاثة اتجاهات:

الاتجاه الأول: ذهب إلى أن تنقيح المناط يختصُّ بالأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النصِّ، أما السَّبْر والتقسيم فإنه يختصُّ بالأوصاف المستنبَطة الصالحة للعِلِّية، حيث لا يوجد نصٌّ يدل على مناط الحُكْم صراحةً أو إيماءً.

قال زكريا الأنصاري (٣):

"السَّبْر يجب فيه حصر الأوصاف الصالحة للعِلِّية، ثم إلغاؤها ما عدا ما ادُّعيَّ عِلِّيته، وتنقيح المناط بالمعنى المذكور إنما يُلاحَظ فيه الأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النصِّ" (٤).

وقال ابن العطَّار: " والفرق بين المسلك بهذا المعنى ومسلك السَّبْر: أن


(١) ينظر: (٧١).
(٢) ينظر: (١٠٣).
(٣) هو: زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري المصري الشافعي، كان قاضياً، ومفسِّراً، ومن حفاظ الحديث، له تصانيف كثيرة، منها: غاية الوصول (ط) في أصول الفقه، ولب الأصول (ط) في أصول الفقه اختصره من جمع الجوامع، وحاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع (ط)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب (ط) في الفقه، وغيرها، توفي بالقاهرة سنة (٩٢٦ هـ).

ينظر في ترجمته: الكواكب السائرة في أعيان المائة العاشرة (١/ ١٩٦)، الأعلام للزركلي (٣/ ٤٦ - ٤٧).
(٤) حاشية زكريا الأنصاري على شرح المحلي على جمع الجوامع: (٣/ ٣٩٢).

<<  <   >  >>