للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني

الأدلة على اعتبار العمل بـ "تنقيح المناط"

تقرَّر فيما تقدَّم أن العلماء اتفقوا على اعتبار العمل بـ " تنقيح المناط"، وهو اتفاقٌ على أصل العمل بهذا النوع من الاجتهاد، لا على اجتهادهم الذي قد ينتج عنه اختلافهم في إلغاء بعض الأوصاف أو اعتبارها، كما في قصة الأعرابي الذي واقع أهله في نهار رمضان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أعتق رقبة " (١)، حيث اختلف الفقهاء في تنقيح مناط الحُكْم وهو "وجوب الكفارة".

فالحنفية (٢)، والمالكية (٣): حذفوا خصوص وصف " المواقعة " عن الاعتبار، وأناطوا الحُكْم بالمعنى الأعمِّ الذي هو "إفساد الصوم بالإفطار".

أما الشافعية (٤)، والحنابلة (٥): فقد حذفوا بعض الأوصاف المذكورة في النصِّ التي لا تصلح للعِلَّية، مثل: كونه أعرابياً، وكون الموطوءة زوجته، وكون الوطء في ذلك الشهر بعينه، ونحو ذلك، وأناطوا الحُكْم بالباقي من الأوصاف، وهو: "وقاع مكلَّفٍ في نهار رمضان".

قال البروي (٦): "حذف أبو حنيفة - رضي الله عنه - خصوص الوقاع حتى أوجب الكفارة بالأكل والشرب، وهذا كلُّه من باب تنقيح المناط، غير أن


(١) سبق تخريجه: (٤٨).
(٢) ينظر: بدائع الصنائع (٢/ ٩٧)، تبيين الحقائق (١/ ٣٢٧).
(٣) ينظر: مواهب الجليل (٢/ ٤٣٣)، جواهر الإكليل (١/ ١٥٠).
(٤) ينظر: المجموع (٦/ ٣٦٠)، مغني المحتاج (١/ ٥٩٦).
(٥) ينظر: المغني (٤/ ٣٧٢)، منتهى الإرادات (٢/ ٣٦٧ - ٣٦٨).
(٦) هو: محمد بن محمد بن محمد بن سعد البروي، من فقهاء الشافعية، كان بارعاً في علم الكلام والجدل والمناظرة، من مؤلفاته: تعليقه في الخلاف، والمقترح في المصطلح في الجدل والمناظرة (ط)، توفي ببغداد سنة (٥٦٧ هـ).
يننظر ترجمته في: وفيات الأعيان (٤/ ٢٢٥)، طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي (٦/ ٣٨٩)، الأعلام للزركلي (٧/ ٢٤).

<<  <   >  >>