للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأمر في ذلك يرجع إلى أنَّ من أجناس المناسب ما هو بعيد، ومنها ما هو أبعد، كما أنَّ منها القريب، ومنها ما هو أقرب، ومنها ما هو دون هذا وذاك، ولأجل ذلك تتفاوت درجات الظنِّ بحسب تفاوتها في القرب والبعد.

قال الغزالي: " للجنسية درجاتٌ متفاوتةٌ في القرب والبعد لا تنحصر، فلأجل ذلك تتفاوت درجات الظنّ، والأعلى مقدَّمٌ على الأسفل، والأقرب مقدَّمٌ على الأبعد في الجنسية، ولكلِّ مسألةٍ ذوقٌ مُفْرَدٌ ينظر فيه المجتهد، ومن حاول حصر هذه الأجناس في عددٍ وضبطٍ فقد كلَّفَ نفسه شططاً لا تتسع له قوة البشر" (١).

المطلب الثالث: حُجِّية مسلك المناسبة.

إذا ورد حُكْمٌ شرعي، ولم تثبت عِلَّتُه بنصٍّ أو إيماءٍ أو إجماعٍ، وغلب على ظنِّ المجتهد وجودُ وصفٍ مناسبٍ يحصل من ترتيب الحُكْم عليه ما يصلح أن يكون مقصوداً من جلب مصلحةٍ أو دفع مضرَّة، ولم يوجد غيره من الأوصاف الصالحة للعِلِّية:

فهل تعتبر المناسبة - في هذه الحالة - دليلاً على إثبات كون ذلك الوصف عِلَّةً لذلك الحُكْم؟

ذهب جمهور الأصوليين إلى أن المناسبة تدلُّ على عِلِّية الوصف المناسب، وأنه يجب العمل بها (٢)، واستدلوا على ذلك بما يأتي:

أولاً: إنَّ الله تعالى شَرَعَ الأحكامَ لمصالح العباد تفضلاً وإحساناً


(١) المرجع السابق: (٣/ ٦٥٩).
(٢) ينظر: البرهان (٢/ ٨٠٢)، المستصفى (٣/ ٦٢٠)، المحصول (٥/ ١٥٧)، الإحكام للآمدي (٣/ ٣٥٧)، شرح تنقيح الفصول (٣٠٣)، نهاية السول (٤/ ٩١)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب ... (٢/ ٢٤٢)، البحر المحيط للزركشي (٥/ ٢٠٧ - ٢٠٨)، شرح المحلي على جمع الجوامع (٢/ ٢٧٢ - ٢٧٣)، شرح الكوكب المنير (٤/ ١٥٢)، إرشاد الفحول (٢/ ٨٩٨ - ٨٩٩).

<<  <   >  >>