للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأحكام فيما لا يدرك ثبوت مُتَعَلَّق الحُكْم فيه إلا بالنظر أو السمع أو الشَّمِّ أو اللمّس أو الذوق.

[المسلك الرابع: قول أهل الخبرة.]

والمراد: أن يدلَّ قول أهل الخبرة على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده.

والخبرة تعني: " المعرفة ببواطن الأمور " (١).

فالذي يعرف بواطن الأمور المتعلِّقة بعلمٍ من العلوم كالطبِّ أو الهندسة أو الفلك أو الاقتصاد أو السياسة ونحو ذلك فإنه يُطْلق عليه وصف: " الخبير" في ذلك الاختصاص.

ويُعْتَبر الاعتماد على قول أهل الخبرة من أهمِّ المسالك في تحقيق مناطات الأحكام في الوقائع والجزئيات التي لا يُدْرِكُ ثبوت مُتَعَلَّقِ الحُكْم فيها إلا من كان بصيراً بها (٢).

قال السرخسي (٣): " وإنما يُرْجَعُ إلى معرفة كلِّ شيءٍ إلى من له بَصَرٌ في ذلك الباب " (٤).

ومثاله: الرجوع إلى قول أهل الخبرة من التُّجَّار وأرباب الصنائع في معرفة العيب الذي يُرَدُّ به المبيع مما يخفى على أكثر الناس أو يدَّعي البائع أنه ليس بعيب، فمناط ردِّ المبيع أو إنقاص الثمن هو: العيب، وتحقيق مناط العيب الذي يخفى على عامة الناس في سلعةٍ ما لايتمُّ إلا بالرجوع إلى قول أهل الخبرة من التُّجَّار وأرباب الصنائع في ذلك (٥)، ولهذا ومثلِه اُعتبِر قول أهل الخبرة من مسالك تحقيق المناط.


(١) التعريفات للجرجاني (٩٧)، التوقيف على مهمات التعاريف (٣٠٦).
(٢) كتقويم المتلفات، وتقدير أروش الجنايات، وخرص الثمار في الزكاة، وكون المبيع معلوماً أو غير معلوم ونحو ذلك.
ينظر: المستصفى (٣/ ٤٨٥ - ٤٨٦)، مجموع الفتاوى لابن تيمية (٢٩/ ٤٩٢ - ٤٩٣)، الموافقات ... (٥/ ١٤ - ١٦).
(٣) هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، شمس الدين، عالِمٌ أصولي، من فقهاء الحنفية وأئمتهم، من مؤلفاته: المبسوط (ط)، وأصول الفقه (ط) يُعرف بأصول السرخسي، توفي في فرغانة سنة (٤٨٣ هـ).
ينظر في ترجمته: الجواهر المضيئة (٣/ ٧٨)، الفوائد البهية (١٥٨)، الأعلام للزركلي (٥/ ٣١٥).
(٤) المبسوط: (١٣/ ١١٠).
(٥) ينظر: المغني لابن قدامة (٦/ ٢٣٥)، المجموع للنووي (١١/ ٥٤٧ - ٥٤٨)، الذخيرة (٥/ ٨٢)، شرح فتح القدير لابن الهمام (٦/ ٣٥٤).

<<  <   >  >>