كتاب الاجتهاد في مناط الحكم الشرعي دراسة تأصيلية تطبيقية

الفصل الرابع ضوابط تحقيق المناط - المبحث الأول: التصور الصحيح التام للواقعة ومعرفة حقيقتها. - ص: 279

المبحث الأول: التصوُّر الصحيح التام للواقعة ومعرفة حقيقتها.

التصوُّر هو: حصول صورةٍ لشيءٍ في العقل، وإدراك ماهيته من غير أن يُحْكْم عليها بنفيٍّ أو إثبات (١).

والمراد بهذا الضابط: أن يحيط المجتهد بأطراف الواقعة، ومكوناتها، وأوصافها، وأسبابها، وآثارها، قبل إيقاع الأحكام الشرعيَّة عليها.

وهذا الضابط يشتمل على جانبين:

الأول: التصوُّر الصحيح لحقيقة الواقعة.

والثاني: التصوُّر التام للجوانب الأخرى المتعلِّقة بالواقعة.

وقد جاء في كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري (٢) رضي الله عنهم ما يؤكد أهمية الفهم الدقيق للواقعة قبل الحُكْم عليها، حيث قال له: "ثم الفهم فيما أُدِلَى إليك مما ورد عليك مما ليس فيه قرآنٌ ولا سُنَّة" (٣).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ولا يتمكَّن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحُكْم بالحقِّ إلا بنوعين من الفهم:

أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به عِلْمَاً.

---

(١) ينظر: التعريفات للجرجاني (٨٣)، تحرير القواعد المنطقية للرازي (٧)، شرح الأخضري على السلم في المنطق (٢٤).
(٢) هو: عبدالله بن قيس بن سليم بن حضار، أبو موسى الأشعري، صحابي جليل، من الشجعان الولاة الفاتحين، ولاة عمر بن الخطاب البصرة سنة (١٧ هـ)، وتوفي بالكوفة سنة (٤٤ هـ).
ينظر في ترجمته: طبقات ابن سعد (٤/ ١٠٥)، الاستيعاب (٤/ ١٧٦٢)، الأعلام للزركلي (٤/ ١١٤).
(٣) أخرجه الدارقطني في سننه، رقم (٤٣٨١)، وأخرجه البيهقي في سننه، رقم (٢٠٣٢٤)، وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٢/ ١٦٣): " هذا كتابٌ جليل تلقاه العلماء بالقبول "، ثم أفاض في شرحه وبيان معانيه.