للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الثالث: علاقة الاجتهاد في المناط بالاستحسان.]

تظهر علاقة الاجتهاد في المناط بالاستحسان في جوانب عديدة, من أهمها ما يأتي:

أولاً: قد يكون المناط متحقِّقاً ظاهراً في فرعٍ , والقياس يوجب الحُكْمَ به , إلا أنه قد ثبت بدليلٍ آخر ما يقتضي العدول عن موجِب ذلك القياس إلى موجِب ذلك الدليل.

وهذا الدليل قد يكون نصَّاً من الكتاب أو السُّنَّة, وقد يكون إجماعاً , وقد يكون الضرورة , وقد يكون المصلحة, وقد يكون العُرْف , كما تقدَّم (١).

فإذا ثبت ذلك الدليل عند المجتهد قَطَعَ المسألةَ - حينئذٍ - عن نظائرها , وأجرى عليها حكماً خاصَّاً بها؛ لأن مناط الحُكْم فيها غير متحقِّقٍ في نظائرها.

ومن الأمثلة على ذلك: جواز قبول الشهادة بالسماع ممن يُوثَق بخبره في النَّسَب والموت والنكاح والدَّخول , وذلك للضرورة , بينما القياس يقتضي عدم جواز قبول شهادة الشاهد مالم يعاين المشهود به , ولكن لو لم تقبل الشهادة فيها بالسماع لأدَّى ذلك إلى الضيق والحرج الشديد في أحكامٍ تمسُّ أكثرَ الناس (٢).

ثانياً: من ضوابط تحقيق المناط الموازنة بين المصالح والمفاسد كما تقدم (٣) , والاستحسان في أصله الأخذ بمصلحةٍ جزئيةٍ في مقابلة دليلٍ كلي.

قال الشاطبي: "ومقتضاه -أي: الاستحسان- الرجوع إلى تقديم الاستدلال المُرْسَل على القياس، فإن من استحسَن لم يرجع إلى مجرَّد ذوقه وتشهيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة في أمثال تلك


(١) ينظر: (٣٦٥ - ٣٦٧).
(٢) ينظر: الهداية للمرغيناني (٣/ ١٢٠).
(٣) ينظر: (٢٤٥ - ٢٥٦).

<<  <   >  >>