للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأشياء المفروضة، كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمراً، إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحةٍ من جهةٍ أخرى، أو جلب مفسدةِ كذلك .. " (١).

لذا كان من اللازم على المجتهد في تحقيق مناطات الأحكام أن يراعي تحصيل أعلى المصالح ودرء أعظم المفاسد في كلِّ مسألةٍ على جهة الخصوص , وقد يستلزم ذلك الأخذ بمصلحةٍ جزئيةٍ في مقابل القياس.

قال ابن رشد (٢): " ومعنى الاستحسان في أكثر الأحوال هو الالتفات إلى المصلحة، والعدل" (٣).

ومن الأمثلة على ذلك: جواز الاطلاع على العورات في التداوي , مع وجوب التحرُّز قدر الإمكان , وذلك لمصلحة الحفاظ على النفس, ودرء مفسدةٍ أعظم , وهي تلف العضو أو فوات الروح , وهو أخذٌ بمصلحةٍ جزئيةٍ في مقابل أصلٍ كليٍّ يمنع من الاطلاع على العورات (٤).

قال السرخسي: " المرأة عورةٌ مستورة, ثم أبيح النظر إلى بعض المواضع منها للحاجة والضرورة ,فكان ذلك استحساناً؛ لكونه أرفق بالناس" (٥).

وقال ابن عبد السلام: " ستر العورات والسوآت واجب، وهو من أفضل المروآت، وأجمل العادات، ولا سيما في النساء الأجنبيات، لكنه يجوز للضرورات والحاجات" (٦).

وهذا الاستثناء من الأصل جارٍ على طريقة الشرع في الترخيصات التي يتحقق فيها تحصيل أعلى المصالح ودرء أشدِّ المفاسد.

قال ابن عبدالسلام: " اعلم أن الله شرع لعباده السعي في تحصيل


(١) الموافقات: (٥/ ١٩٣).
(٢) هو: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي، الشهير بابن رشد الحفيد، تولى القضاء في قرطبة، وهو من أعيان المالكية، من مؤلفاته: فِصَل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال (ط)، وبداية المجتهد ونهاية المقتصد (ط)، توفي سنة (٥٩٥ هـ).
ينظر في ترجمته: الديباج المذهب (٢٨٤)، شجرة النور الزكية (١٤٦)، الأعلام للزركلي (٥/ ٣١٨).
(٣) بداية المجتهد: (٣/ ٢٠١)
(٤) ينظر: شرح النووي على صحيح مسلم (٤/ ٣١) , الموافقات (٥/ ١٩٥) ,تكملة المجموع للنووي (١٥/ ١٧) , تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق (٤/ ١٧).
(٥) المبسوط: (١٠/ ١٤٥).
(٦) قواعد الأحكام: (٢/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>