للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مصالح عاجلةٍ وآجلةٍ تجمع كلُّ قاعدةٍ منها عِلَّةً واحدة، ثم استثنى منها ما في ملابسته مشقةٌ شديدةٌ أو مفسدةٌ تُربي على تلك المصالح، وكذلك شرع لهم السعي في درء مفاسد في الدارين أو في أحدهما تجمع كلُّ قاعدةٍ منها عِلَّةً واحدة، ثم استثنى منها ما في اجتنابه مشقةٌ شديدةٌ أو مصلحةٌ تُربي على تلك المفاسد، وكلُّ ذلك رحمةٌ بعباده ونظر لهم ورفق، ويُعبَّر عن ذلك كلِّه بما خالف القياس، وذلك جارٍ في العبادات والمعاوضات وسائر التصرُّفات" (١).

ويتأكد العمل بهذا التصرُّف الاجتهادي فيما إذا لم يوجد نصٌّ ظاهرٌ في المسألة , أو اعتمد النظر فيها على العلل المُستنْبَطة, فاطِّراد القياس في تلك الواقعات يُلْحِق الضرر والعنت بالمكلفين , ويوقع المشقة البالغة عليهم, والاستحسان المُعْتبَر شرعاً يستلزم العدول عن ذلك القياس؛ رفعاً للحرج , ودفعاً للمشقة.

قال السرخسي في توجيه ترك القياس في مسألة تطهير الآبار التي تقع فيها النجاسة: " تركناه للضرورة المُحْوِجة إلى ذلك لعامَّة الناس, فإن الحرج مدفوعٌ بالنصّ ,وفي موضع الضرورة يتحقَّق معنى الحرج لو أُخِذ فيه بالقياس ,فكان متروكاً بالنصّ" (٢).

ثالثاً: من أظهر صور الاجتهاد في المناط الاجتهادُ في العلل القياسية , وذلك لإلحاق الفروع بالأصول في الأحكام, ومن أدقِّ أنواع الاستحسان ترك القياس الجلي , والأخذ بالقياس الخفي , وذلك لقوة العِلَّة وثبوتها فيه.

وترجع حقيقته إلى الترجيح بين الأقيسة عند تَعَدُّدِ وجوه القياس وتعارضها في الواقعة الواحدة.

وبهذا فإن الاستحسان في بعض أنواعه قياسٌ خفيٌّ وقع في مقابلة القياس الظاهر , وقد أُخِذ بالقياس الخفي لقوة أثره وصلاحيته (٣).


(١) قواعد الأحكام: (٢/ ٢٨٣).
(٢) أصول السرخسي: (٢/ ٢٠٣).
(٣) ينظر: أصول السرخسي (٢/ ٢٠٤) , كشف الأسرار (٤/ ٦) , التقرير والتحبير (٣/ ٢٢٣) , فواتح الرحموت (٢/ ٣٧٥).

<<  <   >  >>