للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فزعوا إليه عند إرادتهم له، ولم يفزعوا لغيره (١).

القول الثالث: أن الدوران لا يفيد العِلِّية مطلقاً.

وقد ذهب إلى ذلك: ابن السمعاني (٢)،

والآمدي (٣)، وابن الحاجب (٤)، وأكثر الحنفية (٥).

واستدلوا بما يأتي:

أولاً: إنه لا معنى للدوران إلا الطَّرْد والعَكْس، والطَّرْد لا يفيد العِلِّيَّة، لأن الطَّرْد معناه سلامته من الانتقاض، وسلامةُ المعنى من مبطِلٍ واحدٍ من مبطلات العِلَّة لا توجب انتفاء كلِّ مبطِل، أما العَكْس فإنه غير معتبرٍ في العِلَلِ الشرعيَّة؛ لأن عدم العِلَّة مع وجود المعلول عِلَّتان على التعاقب، كالبول والمسِّ بالنسبة إلى الحَدَث.

فإذا ثبت أن الطَّرْد والعَكْس غير مفيدين للعِلَّة على جهة الانفراد، فإنهما غير مفيدين لها - أيضاً - على جهة الاجتماع (٦).

واعتُرِضَ عليه: بأنه لا يلزم من عدم إفادتهما للعِلِّية منفردين عدم إفادتهما للعِلِّية مجتمعين؛ فإنه يجوز أن يكون للهيئة الاجتماعية تأثيرٌ لا يكون لكلِّ واحدٍ من الأجزاء، كأجزاء العِلَّة، فإن كلَّ جزءٍ لا يُعَدُّ عِلَّةً مستقلةً بمفردة، لكنه متى ما اجتمعت الأجزاء صار الجميع عِلَّةً، كالقتل العمد العدوان، فإنه عِلَّةٌ لوجوب القصاص، لكن أجزائها - وهي القتل العمد


(١) ينظر: نهاية الوصول (٨/ ٣٣٥٢)، شرح مختصر الروضة للطوفي (٣/ ٤١٤)، شرح تنقيح الفصول ... (٣٩٧).
(٢) ينظر: قواطع الأدلة (٤/ ٢٣٥ - ٢٣٦).
وابن السمعاني هو: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبدالجبار بن أحمد السمعاني المروزي الشافعي، الفقيه، الأصولي، النظار، إمام عصره، كان شوكةً في أعين المخالفين وحجةً لأهل السنة، من مؤلفاته: قواطع الأدلة في أصول الفقه (ط)، والإصطلام في الخلاف والفقه، توفي سنة (٤٨٩ هـ).

ينظر في ترجمته: طبقات الشافعية الكبرى لابن ابن السبكي (٥/ ٣٣٥)، طبقات الشافعية للإسنوي (٢/ ٢٩)، الأعلام للزركلي (٧/ ٣٠٣).
(٣) ينظر: الإحكام (٣/ ٣٧٥).
(٤) ينظر: مختصر ابن الحاجب (٢/ ١١٠٦).
(٥) ينظر: التقرير والتحبير (٣/ ١٩٧)، تيسير التحرير (٤/ ٤٩)، فواتح الرحموت (٢/ ٣٥٤).
(٦) ينظر: قواطع الأدلة (٤/ ٢٣٥ - ٢٣٦)، المستصفى (٣ - ٦٣٦ - ٦٣٧)، الإحكام للآمدي (٣/ ٣٧٥)، بيان المختصر للأصفهاني (٣/ ١٣٦ - ١٣٧)، شرح العضد على مختصر ابن الحاجب (٢٤٧)، التقرير والتحبير (٣/ ١٩٩)، تيسير التحرير (٤/ ٥٠)، فواتح الرحموت (٢/ ٣٥٥).

<<  <   >  >>