للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالأوصاف المستنبَطة، حيث لا يوجد نصٌّ صريحٌ أو مومئٌ يدل على مناط الحُكْم، أما تنقيح المناط فيختصُّ بالأوصاف التي دلَّ عليها ظاهر النصِّ.

واعتبار السَّبْر والتقسيم مسلكاً مستقلاً في إثبات العِلِّية يختصُّ بالأوصاف المستنبطة فيه نظر؛ لأن السَّبْر والتقسيم ليس دليلاً مستقلاً على العِلِّية يختصُّ بالأوصاف المستنبَطة، بل يصلح الاستدلال به في أكثر طرق إثبات العِلَّة بوجهٍ أو بآخر، ومن ذلك مسلك النصِّ ومسلك الإيماء والتنبيه اللَّذَان تعلَّق بهما الاجتهاد في تنقيح المناط.

قال الأبياري: " السَّبْر يرجع إلى اختبارٍ في أوصاف المحلِّ وضبطها، والتقسيم يرجع إلى إبطال ما يظهر إبطاله فيها، فإذاً لا يكون من الأدلة بحال، وإنما تسامح الأصوليون بذلك؛ لأن المراد بالدليل هو الذي دلَّ على أن العِلَّة في جملة الأوصاف، والدليل الثاني دلَّ على التعيين، وإلا فالسَّبْر والتقسيم ليس هو دليلاً " (١).

وقال البروي: " واعلم أن دلالة السَّبْر تدخل في كثيرٍ من الأدلة، مثل تخريج المناط على شيوعه في المناظرات لا يتم إلا بدلالة السَّبْر، فإن من علَّل بمناسبٍ مقرونٍ بالحُكْم لا يستقل ما ذكره عِلَّةً إلا بتقدير انتفاء مناسبٍ آخر، ولا يُعْتَمد في نفيه إلا السَّبْر .. " (٢).

ونقل الزركشي عن أبي العباس القرطبي (٣) أنه قال: " أكثر النُظَّار عدَّوا هذا المسلك أي: السَّبْر والتقسيم - دليلاً على التعليل، وفيه نظر؛ وذلك أن ما ينفيه السَّبْر لابدَّ وأن يكون ظاهر المناسبة وهو قياس العِلَّة، أو صالحاً لها وهو الشبه، فالتحقيق أن يقال على التعليل هنا هو المناسبة غير أن السَّبْر عيَّنَ دليلَ الوصف، فالسَّبْر إذاً شرطٌ لا دليل، وكذلك في سائر المسالك النظرية، فليس مسلكاً بنفسه، بل هو شرط المسالك النظرية" (٤).


(١) البحر المحيط للزركشي: (٧/ ٢٨٨).
(٢) المقترح في المصطلح: (٢٣٠).
(٣) هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي، فقيهٌ مالكي، من رجال الحديث، من مؤلفاته: المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم (ط)، ومختصر الصحيحين، وغيرهما، توفي بالإسكندرية سنة (٦٥٦ هـ).
ينظر ترجمته في: الوافي بالوفيات (٧/ ٢٩٥)، تذكرة الحفاظ (٤/ ١٤٣٨)، الأعلام للزركلي (١/ ١٨٦).
(٤) البحر المحيط: (٧/ ٢٨٧).

<<  <   >  >>