للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا وَرَدَت على المفتي مسألةٌ يبنى فيها الحُكْم على عرف بلد المستفتي وجب على المفتي أن يفتيه بحسب عرف ذلك السائل إن كان يعلمه، أو يستفصل عن ذلك العرف إن كان يجهله.

قال ابن القيم: " مهما تجدَّد في العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغه، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجلٌ من غير إقليمك يستفتيك فلا تُجْرِهِ على عرف بلدك، وسَلْهُ عن عرف بلده فأَجْرِهِ عليه، وأَفْتِهِ دون عرف بلدك والمذكور في كتبك " (١).

بل اعتبر القرافي عدم مراعاة اختلاف العوائد في الاجتهاد خلاف الإجماع، ومن الجهالة في الدِّين حيث قال: " إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغيُّر تلك العوائد خلاف الإجماع، وجهالةٌ في الدين، بل كلُّ ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغيُّر الحُكْم فيه عند تغيُّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجدِّدة .. " (٢).

وبناء على ذلك فقد قرر مجمع الفقه الإسلامي في دورته السابعة عشر أن من شروط الإفتاء: " المعرفة بأحوال الناس وأعرافهم وأوضاع العصر ومستجداته، ومراعاة تغيُّرها فيما بُنِيَ على العرف المعتبر الذي لا يصادم النصّ " (٣).

والمقصود مما تقدم بيانه أن الاجتهاد في تحقيق مناطات الأحكام الشرعيَّة يستلزم مراعاة اختلاف الأحوال التي تحيط بكلِّ واقعة، والعوائد التي تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ لأن الحُكْم يدور مع مناطه وجوداً وعدماً، وقد يطرأ على الوقائع من اختلاف الأحوال وتغيُّر العوائد ما يقتضي اختلاف أحكامها.


(١) إعلام الموقعين: (٤/ ٤٧٠).
(٢) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: (٢١٨).
(٣) قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (١٥٣) في دروته (١٧).

<<  <   >  >>