للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السرقة، وقد ثبت تحقيق مناط الحُكْم - وهو السرقة - في النَّبَّاش (١)، وذلك استناداً إلى قول عائشة رضي الله عنها " يُقْطَعُ سارق أمواتنا كما يُقْطَعُ سارق أحيائنا " (٢).

وعلى هذا فإنَّه إذا دلَّ قول الصحابي على ثبوت مناط الحُكْم في بعض أفراده فهو حُجَّةٌ معتبرةٌ ما لم يعارضه ما هو أرجح منه؛ لأن الصحابي اختصَّ بشهود تنزيل الوحي، وشاهَدَ تأويلَه بأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحواله وسيرته، فحصل له من العلم وأسبابه ما لم يحصل لغيره (٣).

قال ابن القيم: " أمَّا المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ والأقيسة فلا ريب أنهم كانوا أبرَّ قلوباً، وأعمقَ علماً، وأقلّ تكلَّفاً، وأقربَ إلى أن يوفَّقوا فيها لما لم نُوَفَق له نحن؛ لِما خصَّهم الله تعالى به من توقَّد الأذهان، وفصاحة اللسان، وسعة العلم، وسهولة الأخذ، وحُسْن الإدراك وسرعته، وقلَّة المعارِض أو عدمه، وحُسْن القصد، وتقوى الرَّب تعالى، فالعربية طبيعتهم وسليقتهم، والمعاني الصحيحة مركوزةٌ في فِطَرِهِم وعقولهم .. " (٤).


(١) ينظر: شفاء الغليل (٤٣٧)، البحر المحيط للزركشي (٥/ ٢٥٦)، شرح المحلي على جمع الجوامع (٢/ ٢٩٣)، إرشاد الفحول (٢/ ٩٢٠).
وقد ذهب إلى ذلك: المالكية، والشافعية، والحنابلة؛ لأن معنى السرقة متحققٌ في النباش الذي يأخذ كفن الميت، وهو أخذٌ للمال خفيةً، وذهب أبو حنيفة إلى أنه غير سارق؛ لأنه أخذٌ مالٍ عارضٍ للضياع، كالملتقط من غير حرز.
ينظر في المسألة: بدائع الصنائع (٧/ ٦٨ - ٦٩)، المغني لابن قدامة (١٢/ ٤٥٥ - ٤٥٦)، مغني المحتاج (٤/ ٢٢١)، جواهر الإكليل (٢/ ٢٩٢).
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " (١٠/ ٣٤)، وأخرجه البيهقي في " معرفة السنن والآثار "، كتاب السرقة، باب النباش، رقم (٥٤١٦)، ولفظه عنده: " سارق أمواتنا كسارق أحيائنا ".
(٣) ينظر: المرجع السابق (٦/ ١٨ - ٢٠).
(٤) إعلام الموقعين: (٦/ ٢١).

<<  <   >  >>