للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الزركشي: " لأن محلَّ الوفاق غير محلِّ الخلاف، فلا يتناوله بوجه، وإنما يوجب استصحاب الإجماع حيث لا يوجد صفةٌ تغيِّره، ولأن الدليل إن كان هو الإجماع فهو محالٌّ في محلِّ الخلاف، وإن كان غيره فلا مستند إلى الإجماع الذي يزعم أنه يستصحب" (١).

ومن أهم الأدلة على حجيِّة الاستصحاب بأنواعه الثلاثة مايلي:

أولاً: كلُّ ما تحقَّق ولم يُظَنَّ معارضٌ له فإنه يستلزم ظنَّ بقائه، والاستصحاب يفيد ظنَّ بقاء الحُكْم إلى الزمن الثاني، ، والعمل بالظنِّ واجبٌ في الشرعيات, فالاستصحاب يجب العمل به (٢).

قال الفخر الرازي: " ولا معنى لكونه حُجَّةً إلا ذلك" (٣).

ثانياً: إن العقلاء من الخاصَّة والعامَّة اتفقوا على أنهم إذا تحقَّقوا وجود الشيء أو عدمه، وله أحكامٌ خاصَّةٌ به، سوغوا ترتيب تلك الأحكام عليه في المستقبل من زمان ذلك الأمر، حتى إن الغائب يراسل أهله، ويراسلونه، بناءً على العلم بوجودهم، ووجوده في الماضي، ويُنْفِذ إليهم الأموال وغير ذلك، بناء على ما ذُكِر، ولولا أن الأصل بقاء ما كان على ما كان، لما ساغ لهم ذلك (٤).

ثالثاً: إن بقاء الباقي راجحٌ على عدمه, وإذا كان راجحاً وجب العمل به اتفاقاً وهو المدَّعى، ووجه رجحانه من وجهين, أحدهما: أن الباقي يستغني عن السبب والشرط الجديدين؛ لأن الاحتياج إليهما إنما هو لأجل الوجود، والوجود قد حصل لهذا الباقي، فلا يُحتَاج حينئذٍ إليهما, وإلا يلزم تحصيل الحاصل، بل يكفيه دوامها بخلاف الأمر الذي يحدث، فإنه لابدَّ له من سببٍ وشرطٍ جديدين فيكون عدم الباقي


(١) البحر المحيط: (٦/ ١٧).
(٢) ينظر: المحصول (٦/ ١٠٩) , الإحكام للآمدي (٤/ ١٥٥) , الإبهاج (٣/ ١٧١) , بيان المختصر للأصفهاني (٣/ ٢٦٤) , نهاية السول (٤/ ٣٦٧).
(٣) المحصول: (٦/ ١٠٩).
(٤) ينظر: المحصول (٦/ ١٢١) , الإحكام للآمدي (٤/ ١٥٦) , شرح مختصر الروضة للطوفي (٣/ ١٥٠).

<<  <   >  >>