للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبناءً على هذا فما قيل في أهمية علاقة الاجتهاد في المناط بالكتاب والسُّنَّة يقال مثله هنا , ولا داعي لإعادة ذلك (١).

وذلك لأن المعتمد في شرع مَنْ قَبْلَنا ما ورد بطريق الوحي من كتابٍ أو سُنَّةٍ صحيحة.

ثانياً: قد يثبت حُكْمٌ في شرع مَنْ قَبْلَنا بنصِّ الكتاب أو السُّنَّة ,ويُجْتهَد في تحقيق مناطه في بعض أفراده.

ومثاله: قوله تعالى على لسان الخضر في قصته مع موسى عليه السلام لمَّا

أنكر عليه خرق السفينة {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (٧٩)} [الكهف: ٧٩].

قال ابن كثير: " هذا تفسير ما أشكل أمره على موسى عليه السلام، وما كان أنكر ظاهره وقد أظهر الله الخضر عليه السلام على باطنه, فقال: إن السفينة إنما خرقتها لأعيبها؛ لأنهم كانوا يمرُّون بها على مَلِكٍ من الظَلَمَة {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} صالحة، أي: جيدة {غَصْبًا} فأردُّت أن أعيبها لأردّه عنها لعيبها، فينتفع بها أصحابها المساكين الذين لم يكن لهم شيءٌ ينتفعون به غيرها" (٢).

وفيه: جواز إفساد بعض المال إذا كان فيه صلاحٌ لأكثره (٣).

وقد اجتهد العلماء في تحقيق مناط هذا الحُكْم في مسألة: مصالحة ولي اليتيم السلطانَ على أخذ بعض مال اليتيم؛ وذلك خشيةَ ذهابه بجميعه, فأجازوا بذل بعض مال اليتيم من أجل المحافظة على أكثره في حال طمع السلطان في أخذه كلِّه أو أكثره (٤).

قال القرطبي: " في خرق السفينة دليلٌ على أن للولي أن يُنْقِصَ مال اليتيم إذا رآه صلاحاً، مثل أن يخاف على ريعه ظالماً فيخرب بعضه " (٥).


(١) ينظر: (٢٨٦ - ٣٠٦).
(٢) تفسير القرآن العظيم (٥/ ١٨٤).
(٣) ينظر: فتح الباري لابن حجر (٨/ ٤٢٢).
(٤) ينظر: المرجع السابق.
(٥) الجامع لأحكام القرآن: (١١/ ١٩).

<<  <   >  >>