للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى هذا يكون إطلاق لفظ" الصَّحابي" في تلقيب المسألة أولى من تقييده ب"العالِم"؛ لأن إضافة القول إليه مُنْبِئةٌ عن ذلك , فإنَّ غيرَ العالِم لاقول له (١).

واستدلُّوا على حُجِّية قول الصَّحابي بأدلةٍ منها (٢):

أولاً: قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)} [التوبة: ١٠٠].

فالله تعالى في هذه الآية مدح الصَّحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنما استحقَّ التابعون لهم هذا المدح على اتِّباعهم بإحسان من حيث الرجوع إلى رأيهم؛ لأن في ذلك استحقاق المدح باتباع مادلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة، وذلك إنما يكون في قولٍ وُجِد منهم ولم يظهر من بعضهم فيه خلاف، فأما الذي فيه اختلافٌ بينهم فلا يكون موضع استحقاق المدح، فإنه إن كان يستحقُّ المدح باتباع البعض يستحقُّ الذمَّ بترك اتباع البعض , فوقع التعارض فكان النصُّ دليلاً على حُجِّية قول الصَّحابي إذا لم يظهر بينهم اختلافٌ ظاهر (٣).

وثناء الله في الآية على من اتَّبعهم يعمّ اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كلِّ ممكن؛ فمن اتَّبع جماعتهم إذا اجتمعوا , واتَّبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم, فقد صدق عليه أنه اتبع السابقين، أما من خالف بعض السابقين فلا يصح أن يقال " اتَّبع السابقين "؛ لوجود مخالفته لبعضهم، لا سيما إذا خالف هذا مرَّة، وهذا مرَّة (٤).

ثانياً: ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيح من وجوهٍ متعددةٍ أنه قال:


(١) ينظر: منع الموانع عن جمع الجوامع (٤٥١).
(٢) وانفرد ابن القيم بذكر ستة وأربعين وجهاً للاستدلال على حجية قول الصحابي. ينظر: إعلام
الموقعين (٥/ ٥٥٦ - ٦/ ٣٠).
(٣) ينظر: ميزان الأصول للسمرقندي (. . .) , كشف الأسرار (٣/ ٢٢٢) , إعلام الموقعين (٥/ ٥٥٦ - ٥٥٧) , إجمال
الإصابة في أقوال الصحابة (٥٧) ,التقرير والتحبير (٢/ ٣١٢) ,تيسير التحرير (٣/ ١٣٥).
(٤) إعلام الموقعين: (٥/ ٥٦٢).

<<  <   >  >>