فأحكام الشرع ثابتةٌ لا تتغيَّر , وستظلُّ كذلك إلى قيام الساعة, ولا يجوز اعتقاد غير ذلك.
ولذلك" لا تجد فيها بعد كمالِها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحُكْمٍ من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمانٍ دون زمان، ولا حالٍ دون حال، بل ما أُثْبِت سبباً فهو سببٌ أبداً لا يرتفع، وما كان شرطاً فهو أبداً شرط، وما كان واجباً فهو واجبٌ أبداً، أو مندوباً فمندوب، وهكذا جميع الأحكام فلا زوال لها ولا تبُّدل، ولو فُرِض بقاء التكليف إلى غير نهايةٍ لكانت أحكامها كذلك "(١).
والذي يتغيَّر هو محلُّ الحُكْم , فإنه قد يطرأ عليه من الأحوال والحيثيات ما يجعله مختلِفاً عن محلٍّ آخر، فيقتضي تحقيق مناطٍ مختلِفٍ عن غيره.
فقد يطرأ على محلٍّ من الأحوال والحيثيات ما يتحقَّق معه مناط المصلحة المقصودة شرعاً , وقد يطرأ عليه من الأحوال والحيثيات ما يتخلَّف عنه مناط المصلحة المقصودة شرعاً.
وعلى هذا فإن المصالح المُرْسَلة قد تختلف بحسب اختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال, فما يكون مصلحةً في حالٍ لا يلزم أن يكون كذلك في حالٍ آخر , وعلى المجتهد أن يراعي ذلك في تحقيق مناط المصلحة على آحاد الوقائع والجزئيات المتجدِّدة , ولاسيما التي لم يَرِدْ بشأنها دليلٌّ خاصٌّ بالاعتبار أو الإلغاء.
ومن الأمثلة على ذلك: أن الله أمر المسلمين بإعداد القوة التي ترهب عدوهم، وتقوى بها شوكة المسلمين.