للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن الهمام: "ولا يرتاب متأملٌ في ثبوت الفرق بين عدم محل الفرض وبين عدم سببه الجعلي الذي جُعِل علامةً على الوجوب الخفي الثابت في نفس الأمر، وجواز تعدُّد المُعَرِّفات للشيء، فانتفاء الوقت انتفاءٌ للمُعَرِّف، وانتفاء الدليل على الشيء لا يستلزم انتفاءه لجواز دليلٍ آخر , وقد وُجِد ,وهو ما تواطأت عليه أخبار الإسراء من فرض الله الصلاة خمسًا بعدما أمروا أولاً بخمسين، ثم استقر الأمر على الخمس شرعًا عامًّا لأهل الآفاق، لا تفصيل فيه بين أهل قُطْرٍ وقُطْر" (١).

ولما كانت الصلاة واجبةً على المكلَّف في كلِّ مكان , ولاتسقط عنه بحالٍ من الأحوال إلا إذا رُفِع عنه التكليف بها , فقد شمل وجوبها كلَّ مكلَّفٍ سواءً كان في البلدان التي تظهر فيها العلامات الفلكية الدالة على دخول الوقت , أوفي البلدان التي تعدم فيها بعض تلك العلامات أو كلها في بعض الأيام أو طيلة عدة أشهر.

وإذا تقرر وجوب الصلاة على المكلَّف بها في كلِّ مكانٍ فإنه يلزم تقدير وجود العلامات الفلكية للأوقات الشرعيَّة في البلدان التي تعدم فيها تلك العلامات أو بعضها.

ويؤيد القول بالتقدير أنه لما سَأَل الصحابةُ رضي الله عنهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن مدة لبث الدجال في الأرض , قال عليه الصلاة والسلام": أربعون يومًا، يومٌ كسنة، ويومٌ كشهر، ويومٌ كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، فقيل: يا رسول الله، اليوم الذي كسنة أيكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره" (٢).

ومعنى "اقدروا له قدره" أي: " أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كلَّ يومٍ فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر، فصلوا العصر، فإذا مضى بعدها قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب، وكذا العشاء والصبح، وهكذا إلى أن ينقضي ذلك


(١) فتح القدير: (١/ ٢٢٦).
(٢) أخرجه مسلم في"صحيحه" , كتاب الفتن , باب ذكر الدجال وصفته وما معه, رقم (٢٩٣٧).

<<  <   >  >>