للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن النجَّار الفتوحي: "وأجراه أبو حنيفة في الكفارات مع منعه القياس فيها" (١).

وقال ابن عبدالشكور البهاري: "وهو مقبولٌ عند الكلِّ إلا أن الحنفية لم يصطلحوا على هذا الاسم، كما لم يضعوا تخريج وتحقيق المناط للنظر في تعرُّف تحُّقِقها في الجزئيات مع الاتفاق في المُسَمَّى " (٢).

وقال ابن العطَّار (٣): "إن أبا حنيفة يستعمل تنقيح المناط في الكفارة وإن منع القياس فيها لكنَّه لايسمِّيه قياساً بل استدلالاً" (٤).

وبهذا يتضح من خلال ما تقدَّم أن الحنفية يتفقون مع الجمهور على اعتبار تنقيح المناط والعمل به، إلا أنهم اصطلحوا على تسميته بـ "الاستدلال"، وفرَّقوا بينه وبين القياس بأن القياس ما أُلْحقَ فيه حُكْمٌ بآخر بجامعٍ يفيد غَلَبَة الظن، والاستدلال ما أُلْحِقَ فيه ذلك بإلغاء الفارق المفيد للقطع.

وقد اعتذر بعض الحنفية عن عدم ذكرهم " تنقيح المناط " بأن مرجعه إلى النصِّ؛ ولم يضعوا له اسماً اصطلاحياً مع العمل به.

قال ابن الهمام الحنفي: "واعتذر بعض الحنفية عن عدم ذكرهم تنقيح المناط بأن مرجعه إلى النصِّ، ولا شك أن معنى تنقيح المناط واجبٌ على كلِّ مجتهدٍ حنفيٍّ وغيره، وإلا مُنِع الحُكْم في موضع وجود العِلَّة، غير أنَّ الحنفية لم يضعوا له اسماً اصطلاحياً كما لم يضعوا المفرد وتخريج المناط وتحقيقه مع العمل بها في الكلِّ" (٥).

ولا شك أن المعاني إذا تحرَّرَت فلا مشاحة في الإصطلاح، ولكن لابدَّ في الاصطلاح من استعمال لفظٍ لا يلتبس معناه أو بعضه مع غيره، وأجدر اصطلاح بالمعنى الذي سبق تقريره هو "تنقيح المناط"؛ لأن تنقيح الشيء:


(١) شرح الكوكب المنير: (٤/ ١٣٢).
(٢) مسلم الثبوت مع شرحه فواتح الرحموت: (٢/ ٣٥٠).
(٣) هو: حسن بن محمد بن محمود العطار، من علماء مصر، أصله من المغرب، ومولده ووفاته بالقاهرة، تولى مشيخة الأزهر سنة (١٢٤٦ هـ)، من مؤلفاته: حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع (ط)، وكتاب في الإنشاء والمراسلات (ط)، وغيرهما، توفي سنة (١٢٥٠ هـ).

ينظر في ترجمته: الأعلام للزركلي (٢/ ٢٢٠)، شيوخ الأزهر لأشرف فوزي (٢/ ٣٥ - ٤٠).
(٤) حاشية العطار على شرح المحلي على جمع الجوامع: (٢/ ٣٣٧).
(٥) التحرير في أصول الفقه مع شرحه تيسير التحرير: (٤/ ٤٣).

<<  <   >  >>