ثم بعد ذلك قال:(ولو عذّب أهل السماوات وأهل الأرضين) هذا على سبيل الافتراض؛ لأن (لو) حرف امتناع لامتناع، فإنه يمتنع في وعد الله عز وجل وعدله أن يعذّب أهل السماوات وأهل الأرضين البر والفاجر، فإن الله عز وجل وعد الأبرار بالخير والنعمة، وتوعد الفُجّار جزاء أعمالهم، لكن من باب الافتراض بأن الله عز وجل مالك الملك وكل شيء بيده، وهو الذي خلق الخلق وهم ملكه، فيفعل بملكه ما يشاء، فلو عذّبهم بمشيئته فإن ذلك راجع إليه سبحانه، لكن هذا ممتنع بما ذكره الله عز وجل وبما وعد الله به عباده، وامتنع أن يعذّبهم كلهم، وأن من يُعذّبون إنما يُعذّبون بذنوبهم.
كما أنه لا يُنسب إلى الله الظلم، وهذا أمر بدهي ولا يحتاج إلى تقرير، ولذلك لا ينبغي لطالب العلم أن يفصّل في هذه الأمور؛ لأن الإجمال فيها هو مقتضى الفطرة، يقال: إن الله عز وجل لا يظلم أحداً {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}[الكهف:٤٩]، ويقال: إن الله عز وجل يفعل في خلقه ما يشاء، ويقال: إن الله عز وجل ينعم على الطائعين برحمته إلى آخر الأمور الإجمالية؛ لأن التفصيل في هذه الأمور يوقع في الشبهات والشكوك، ثم إنه أيضاً خلاف الأدب مع الله عز وجل، فلا ينبغي أن نبالغ في نفي الظلم عن الله؛ لأن ذلك أمر تقتضيه العقول السليمة والفطر المستقيمة، ولا نبالغ في القول بأن الله عز وجل لو عذّب العباد كلهم لكان له ذلك، لكن نذكرها على سبيل الإجمال من باب الرد على الفرق، ولذلك لم يكن السلف يذكرون هذه الأمور حتى تكلم فيها الناس، فلما تكلم فيها الناس بغير حق وقالوا على الله بغير علم، وعمّت به البلوى وسمعها العامة والخاصة تكلم السلف عنها من باب تقرير الحق ونفي الباطل، والرد على الشبهات.
وهذه قاعدة عظيمة في الدين، وهي أن الشبهة إذا لم تشتهر ولم تنتشر فلا يجوز الكلام فيها إلا في حدود ضيقة جداً، وإذا اشتهرت وانتشرت فلا بد من الكلام فيها، ولذلك نجد أن الله عز وجل في كتابه الكريم ما تكلم في أمر من الأمور التي تتعلق بذاته وأسمائه وصفاته مما يوجب نفي النقص تفصيلاً إلا بما تكلم به أهل الضلال، فالله عز وجل إنما نفى عنه الصاحبة لأن هناك من قال بذلك القول العظيم الشنيع، ونفى عن نفسه الولد لأن هناك من قال بذلك، ونفى عن نفسه النصب واللغو لأن هناك من قال بذلك، لكن لا نجد أن مذهباً من المذاهب ذُكر تفنيده في القرآن وهو ليس له وجود ولا شهرة، فالمذاهب المغمورة ينبغي ألا نفصّل عنها وألا نتكلم عنها.
المهم أن الشيخ في تقرير نفي الظلم عن الله عز وجل ونحو ذلك إنما أراد أن ينفي ما قالته بعض الفرق أو تكلموا فيه بغير حق.