للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[متى يكون المرء صاحب سنة]

قال رحمه الله تعالى: [ولا يحل لرجل مسلم أن يقول: فلان صاحب سنة حتى يعلم أنه قد اجتمعت فيه خصال السنة، لا يقال له: صاحب سنة حتى تجتمع فيه السنة كلها].

يقصد اجتماع السنة بالجملة، وإلا فالمسلم قد لا تجتمع فيه السنة كلها، لكن يقصد المنهج، وكثير من تعبيرات السلف المجملة في هذه الأمور يقصدون بها المنهج، بمعنى أن يكون نهجه على السنة، وإلا فقد يقع في معاص وقد يقع في بعض الأمور المخالفة، وقد يكون عنده بعض البدع الصغيرة غير المخرجة من السنة.

فقوله: (حتى تجتمع فيه السنة كلها) بمعنى أن يلتزم أصول السنة، ويلتزم نهج أهل السنة والجماعة، ولذلك من كان على السنة في المنهج إجمالاً فهو صاحب سنة وإن خالف في بعض الأمور، سواء كانت معاصي أو من البدع الصغيرة، فلا يخرج من السنة إلا إذا عمل ببدعة مغلظة، أو خالف أهل السنة والجماعة في الأصول والمنهج، أو تكاثرت عنده البدع الصغيرة حتى صارت هي الأصل، فإنه بذلك يخرج عن السنة وإن ادعى أنه على السنة.

قال رحمه الله تعالى: [وقال عبد الله بن المبارك: أصل اثنين وسبعين هوى أربعة أهواء، فمن هذه الأربعة الأهواء انشعبت هذه الاثنان وسبعون هوى القدرية، والمرجئة، والشيعة، والخوارج].

هذا الكلام اجتهاد من الإمام عبد الله بن المبارك، وقال بمثله يوسف بن أسباط، وأصل قولهم في ذلك أنهم سبروا الأهواء في وقتهم، وذلك في نهاية القرن الثاني الهجري، فوجدوها كذلك.

فبعد الإمام عبد الله بن المبارك والإمام يوسف بن أسباط زادت الفرق، ولذلك فالذي عليه جمهور السلف أنا لا نستطيع أن نحدد الفرق بأعيانها، ولا أن نحدد الأصول على وجه الجزم؛ لأنه لا يزال إلى اليوم تخرج فرق بأصول جديدة، لكن يمكن أن تكون هذه أصول الفرق في ذلك الوقت.

والقدرية تشمل المعتزلة؛ لأن المعتزلة قدرية.

والمرجئة تشمل مرجئة الفقهاء، والمرجئة الغلاة، ما عدا المرجئة الجهمية، لأن الجهمية تخرج من الملة.

والشيعة تشمل الشيعة الرافضة والشيعة الزيدية، وهذا قبل أن تقول الرافضة بالعصمة والمهدية وغير ذلك، لأن الرافضة في ذلك الوقت لم تكن عند جميعها أصول الكفر، وإن كانت موجودة عند بعض فرقهم، فالشيعة هي المفضّلة والمفترية، أما الرافضة فالغالب أنها لا تدخل في هذه الأربع؛ لأنها تخرج من الملة.

والخوارج تشمل إلى أصنافاً كثيرة.

ففي ذلك الوقت كانت هذه الفرق الأربع هي أصول الفرق، أما بعد ذلك فقد جاءت الفرق الكلامية مثل الصوفية أصحاب الطرق، وجاءت مذاهب الفلاسفة الذين يسمون بالفلاسفة الإسلاميين، ومذاهبهم إلى الآن تحتذى.

وفي الحديث: (كلها في النار إلا واحدة) يعني أنها من أهل الوعيد، أما الخارجة من الملة منها فليست من فرق المسلمين، فالتوعد بالنار هنا ما دامت مسلمة، فهي مثل أصحاب المعاصي؛ لكن البدع أشد من المعاصي العملية.

إذاً فقوله: (كلها في النار) من أحاديث الوعيد باتفاق السلف، ولا يدل على خروجهم من الملة.

<<  <  ج: ص:  >  >>