للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خصائص وسمات المبتدعة]

(فدامت لهم المدة)، يعني ظهرت رايتهم في القرن الثالث، (ووجدوا من السلطة معونة على ذلك) في عهد المأمون ومن بعده إلى أن جاء المتوكل، (ووضعوا السيف) أي أعملوه في رقاب المسلمين، (والسوط دون ذلك) أي دون كفرهم، فهم يحمون كفرهم بالسوط والسيف.

(فدرس علم السنة) يعني انقرض أو ضعف (والجماعة، وأوهنوهما وصارتا مكتومتين لإظهار البدع والكلام فيها ولكثرتهم، واتخذوا المجالس، وأظهروا رأيهم)، وهذا دليل على أنه في الفتن تكون الغوغاء والكثرة مع الباطل لا مع الحق، وهذا موطن عبرة يجب أن نستفيد منه، أنه في الفتنة لا نقيس بالكثرة؛ لأن هذا الوصف وصف صحيح فإنه في عهد المأمون بالذات جعجعت العامة والغوغاء والرعاع والهمج مع الجهمية إما خوفاً وإما رجاءً أو جهلاً، وظنوا أن السلطان لا يكون إلا مع الحق، ربما يكون أكثر عامة المسلمين على ذلك.

قال: (ووضعوا فيه الكتب)، يعني ألّفوا في الباطل، (وأطمعوا الناس)، وهنا وقفة عظيمة جداً.

طبعاً هو هنا نسيت أن أقول لكم أنه منذ أن انتهى الأصل السابع عشر وهو رد الكتاب والأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ذلك كفر، بدأ يذكر السمات وانتهى من الأصول، والسمات التي هي الخصائص وإن لم تكن أصولاً.

فمن سماتهم أنهم تمكنوا في عهد الإمام المأمون ومن بعده، وأنهم أيضاً استعدوا السلطة حتى وجدوا منها معونة، وأنهم أيضاً يضعون السيف والسوط على الأمة، وأنهم يحرصون على اندراس علم السنة والجماعة لا كما يدّعون أنهم يرفعون السنة والجماعة.

ومن سماتهم إخفاء السنة ومحاولة إماتتها وإيهانها، وطمس معالم السنة وكبت أهل السنة.

قال: (وصارتا مكتومتين لإظهار البدع ولكثرتهم).

وأيضاً من سماتهم أنهم يستثيرون الغوغاء إذا تمكنوا من ذلك حتى يكثروا من سوادهم، وأنهم يتخذون المجالس، بمعنى أنهم يثرثرون في قضايا الدين الخطيرة في المجالس كما يحصل من بعض المفتونين الآن بين المسلمين، ويتخذون الثرثرة في هذه القضايا الخطيرة في المجالس العامة والخاصة ومجالس الأدباء الكُتّاب والمفكرين، والمعجبين بهم والمبهورين، ويظهرون رأيهم، ويضعون في ذلك كتباً ومؤلفات.

ثم قال: (وأطمعوا الناس)، وهذه إشارة إلى أن من سمات أهل الأهواء استعداء العامة واستثارتها، وأيضاً دغدغة مشاعر الناس بالكلام فيما يحلو لهم.

ومن مسائل الأهواء في كل عصر أنهم يلتمسون حاجات الناس فيرفعون شعارات دفع الظلم عنهم والاهتمام بشئونهم والعطف عليهم إلى آخره.

وأطمعوا الناس في الكلام الدين، وأطمعوا الناس في السلطان، وأطمعوا الناس على العلماء، وأطمعوا الناس بالجرأة على أن يتكلموا بما ليس لهم بعلم، أطمعوهم في الأهواء أطمعوهم في الشبهات والشهوات.

(وطلبوا لهم الرياسة) كما يكون من بعض الدعاة الآن في الحزبيات والشعارات السياسية وغيرها، وهذا يختلط فيه الطمع.

قال: (وطلبوا لهم الرياسة فكانت فتنة عظيمة لم ينج منها إلا من عصم الله، فأدنى ما كان يصيب الرجل من مجالستهم أن يشك في دينه أو يتابعهم)، هذا إشارة إلى أن مجالستهم خطيرة، وهذا ينسحب على الأولين والآخرين، كجهمية اليوم، ومعتزلة اليوم وعقلانية اليوم التي ابتلي بها كثير من شبابنا اليوم بسبب المجالسة في الجلسات العامة وفي الديوانيات والاستراحات وغيرها، وهذا مسلك خطير يجب أن يبتعد منه من يريد أن يحافظ على دينه، ولا يقول: إنه درس العقيدة وعرف وعرف! فهؤلاء شياطين يلبّسون على الناس، ويموّهون على الأئمة فكيف بطلاب العلم أمثالنا وعندنا من التقصير الشيء الكثير، فيجب أن نحمي أنفسنا ونحمي من له علينا حق النصح من مجالسة أهل الأهواء.

فأدنى ما كان يصيب الرجل من مجالستهم أن يشك في دينه أو يتابعهم، أو يرى رأيهم على الحق، ولا يدري أنه على الحق أو على الباطل، بمعنى أنهم على الأقل يلبّسون عليه.

(فصار شاكاً فهلك الخلق حتى كانت أيام جعفر الذي يقال له: المتوكل)، هذا أشبه بكلام الإمام أحمد والله أعلم، وكنت أود لو أني تمكنت من الرجوع إلى المصادر، لكن لعل أحد الإخوان إن شاء الله يتطوع ويوثق لنا هذا الكلام، فلعله موجود في بعض المصادر عن الإمام أحمد؛ لأن قوله: الذي يقال له المتوكل، كأنه يرى أن وصف الرجل لنفسه بـ المتوكل نوع تزكية.

قال: (فأطفأ الله به البدع، وأظهر به الحق، وأظهر به أهل السنة، وطالت ألسنتهم مع قلتهم وكثرة أهل البدع إلى يومنا هذا).

ثم قال، وكأنه يقول: ومع نصر السنة على يد المتوكل وقمع أهل البدع والأهواء إلى أن الرسم وأعلام الضلالة قد بقي منهم قوم، وهذه سنة الله في خلقه، فالابتلاء باق، ولذلك ما من فرقة من الفرق الكبرى انقطعت في التاريخ أبداً كلها بقيت إلى يومنا هذا، لكنها قد تتلون، قد تدخل في فرق أخرى، قد تظهر شعارات جديدة، لكن قال: (ومع أن السنة ظهرت وأبطل الله البدع إلا أنه بقي الرسم)، يعني: ب

<<  <  ج: ص:  >  >>