قوله:(والإيمان بأن الأطفال إذا أصابهم شيء في دار الدنيا يألمون)، يعني أنهم يحسّون بالألم، وذلك أن بكر ابن أخت عبد الواحد، وعبد الواحد هذا ابن زيد من أصحاب عبد الله بن مسعود وابن أخته هذا بكر مشهور بأنه من أصحاب الأهواء قال:(لا يألمون)، وكذب.
وهذا كلام أشار إليه الشيخ لأنه اشتهر في وقته أو بمناسبة معينة، أو لأنه اطّلع عليه، فإن مفردات أقوال أهل الأهواء لا حصر لها، وأغلبها مما لا يُعقل، فأقول: ربما قصد الشيخ أن هناك قولاً في هذا الأمر، وأن هذا الأمر غريب فأراد الرد عليه؛ لأن أهل الأهواء تكلموا في كل شيء يرد على أذهانهم وخيالاتهم، فهناك من زعم أن الأطفال لا يحسّون بالألم، زعماً منه بأن إحساسهم بالألم ينافي رحمة الله عز وجل، وأنه لو تألّم الأطفال لكان ظلماً من الله لهم، وهذا ضلال لأن الله عز وجل له في خلقه شئون وله في فعله حكم، فحينما يتألم الحيوان أو الإنسان غير المتسبب كالطفل أو الشيخ الكبير أو المريض فذلك راجع لحكمة يعلمها الله عز وجل.
والأطفال أو غيرهم ممن ليسوا مكلفين آلامهم لا بد أن ترجع في المآل إلى مصالح لهم أو لذويهم، ولا تذهب سدى، لأن الله عز وجل ليس بظلام للعبيد.
لكن كيف تكون هذه المصالح؟ ربما يكون الألم للطفل وهو صغير في مصالح يدّخرها الله له بعد كبره أو يوم القيامة، أو مصالح ترجع إلى منفعة لوالديه أو لذويه، والله أعلم بالحال.
فالقصد أن ابن أخت عبد الواحد أو غيره ممن أنكروا ذلك أنكروه زعماً منهم أن هذا ينافي الرحمة.
وقد يقال إن الألم للطفل يجعل الوالدين يهتمان فيكون لهما الأجر في هذا الهم، وهذا جانب، لكن أيضاً ألم الطفل قد لا يظهر، لكن المهم أن ذلك راجع لحكمة علمها الله عز وجل نحن لا نعلمها، وأن ذلك من الله ليس بظلم؛ لأنه إذا استشعرنا كمال الله عز وجل وكمال حكمته وكمال رحمته، نعرف أن ما يوقعه الله عز وجل على غير المكلّفين من الآلام وغيرها راجع لحكمة ومصلحة غائبة لا ندركها، والله أعلم بها.
قوله:(وإنما يظلم من يأخذ ما ليس له)، يعني أن الله عز وجل حينما يفعل في العباد شيئاً بما في ذلك تعذيبهم فإن ذلك له عز وجل، لذلك لا يوصف عمله بالظلم لأنه مالك الملك يفعل في ملكه ما يشاء، إنما يوصف بالظلم من يأخذ ما ليس له، أو يفعل ما ليس له حق أن يفعله، والله عز وجل له أن يفعل في ملكه ما يشاء.