قال رحمه الله تعالى:[فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة، فلا تعجلن ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر، هل تكلم به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحد من العلماء، فإن وجدت فيه أثراً عنهم فتمسك به ولا تجاوزه لشيء، ولا تغتر عليه شيئاً فتسقط في النار].
هذه الفقرة متعلقة بالتثبت في الدين، وهذه المسألة أحوج ما يكون إليها طلاب العلم في هذا العصر، فمن الظواهر الملفتة في أيامنا هذه بالذات قلة تثبت كثير من طلاب العلم في الأمور، سواء فيما يتعلق بقضايا الدين، أو قضايا العلم، أو الأخبار والشائعات، أو النقل عن الآخرين، أو الحكم على الأشخاص، فهناك بعض الخصال أو السمات التي يستغربها الذين عاشوا زمناً مع أهل العلم وسبروا أحوال العلماء وعايشوهم.
نلاحظ في الآونة الأخيرة ظواهر تحتاج إلى وقفة، وهي تسرع كثير من طلاب العلم في الأحكام والمواقف تجاه الأحداث والأشخاص، وهذا يحتاج إلى شيء من التأمل والمراجعة، فلعل مرد ذلك والله أعلم أن أغلب طلاب العلم في العصر الحاضر لم يعودوا يلتزمون مناهج العلماء في التلقي، وأغلبهم أخذ العلم عن غير الأصول الصحيحة السليمة، أعني أن أغلب مصادر العلم الآن القراءة الفردية، أو من خلال وسائل الإعلام، أو من خلال الأشرطة، أو المجالسة غير المركزة، مجالسة القيل والقال والهذر وهذه كلها لا تعطي طالب العلم الشخصية المنضبطة المتزنة، والغالب أن يكون عنده شيء من الاستقلالية التي تجعله لا يستفيد من مناهج العلماء العملية التطبيقية في التثبت وعدم التسرع والاستعجال، وإلا فما معنى أن تشغل هذه الظاهرة بال كثير من المصلحين والعلماء الراسخين وأئمة الدين؟ لقد أصبحت من الأمور التي جعلت كثيراً من العلماء يتحفظ ويتردد في نشر العلم خاصة في القضايا الخطيرة الحساسة، فمن هنا كان التثبت في الدين أمراً ضرورياً، ولذلك قال المؤلف رحمه الله في هذه الفقرة:(فانظر رحمك الله كل من سمعت كلامه من أهل زمانك خاصة فلا تعجلن، ولا تدخلن في شيء منه حتى تسأل وتنظر).
وقد ذكرنا أن هذا يتعلق بالتثبت في أمر الدين، ويتبعه التثبت في الأحكام على الأشياء والأحكام على الأشخاص، حتى في الأمور الصغيرة.
بالأمس اتصل بي أحد الشباب في الصباح الباكر يتثبت من خبر لو ثبت فهو مزعج جداً، لكن وقع في قلبي طمأنينة من أنها نفخة شيطان؛ فدفعت خبره ثم تعوذت من الشيطان الرجيم، فوجدت أن الأمر لا يعدو أن يكون نفخة من الشيطان.
هذا الرجل فيه غيرة، وأنا أشكره على تثبته وأعتبره نموذجاً لطالب العلم المتثبت الذي ينبغي أن نقتدي به، لكن كيف وصله هذا النبأ المزعج، وكيف أزعجه وجعله يتصل مبكراً ليتأكد؟ فهذا أنموذج لما يدور من كثرة الشائعات وتقبل بعض طلاب العلم لها أو استعدادهم لها، فلا ينبغي لطالب العلم أن يكون مستعجلاً في أحكامه فضلاً عن علمه وفتواه ونحو ذلك.