[الوقوف عند السنن وعدم التجاوز منجاة من البدع]
قال رحمه الله تعالى: [واعلم -رحمك الله- لو أن الناس وقفوا عند محدثات الأمور ولم يتجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلاماً مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه؛ لم تكن بدعة].
أي: لو أن الناس وقفوا على التزام شرع الله عز وجل، وحذروا المحدثات، بحيث لم يفعلوها ولم يصدقوها ولم يتبعوا أهلها، ولم يتجاوزوها بشيء، ولم يولدوا كلاماً مما لم يجئ فيه أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه لم تكن بدعة، بمعنى أن الناس لو تعلموا الدين وأخذوا به لم تكن بدعة؛ لأن هذا الكلام الذي قاله الشيخ لا يمكن أن يتأتى بمجرد الدعوى، أو بمجرد دعوى العلم اللدني، أو دعوى الحصانة كما يقول بعض الجهلة الآن، يقول: أجيالنا محصنة، نحن بيئة صالحة وأجيالنا نشأت على الفطرة؛ فنحن في مأمن من الأهواء والبدع لأن أجيالنا محصنة من العقائد الفاسدة.
أقول: هذا تهور وتفريط وجهل مطبق! فإنه ليس هناك من المسلمين من يعتبر محصناً إلا إذا بذل الأسباب، ونحن إذا لم نستمر على النهج الذي كنا عليه، وورثناه عن السلف الصالح، فأجيالنا معرضة للأهواء، وقد بدأت قرون الأهواء تظهر بين أجيالنا بعنف، فلا ينبغي أن نتساهل في الأمر، بل لا بد أن نقف عند الحد الذي أوقفنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين ونحذر المحدثات، وذلك لا يتم إلا بتربية أجيال المسلمين على النهج السليم من حيث تلقين العقيدة تلقيناً جيداً وحازماً، ومن حيث تلقين أصول الإسلام وآدابه ومنهج السلف في العلم والعمل والتعاون، ومن حيث الأخذ بأصول التلقي على نهج سليم، ومن الأخذ بأصول العلم الشرعي على نهج سليم.
ما لم نلقن أجيالنا بهذا الأسلوب السليم، ونربيهم على العقيدة الصحيحة، ونحذرهم مما ينافيها على جهة الإجمال؛ فإنا معرضون للفتن قطعاً، لأنه ليس بيننا وبين الله عز وجل إلا أن نتمسك بدينه، وما لم نتمسك فالعصمة منتفية.
قال رحمه الله تعالى: [واعلم -رحمك الله! - أنه ليس بين العبد وبين أن يكون مؤمناً حتى يصير كافراً إلا أن يجحد شيئاً مما أنزله الله تعالى، أو يزيد في كلام الله أو ينقص، أو ينكر شيئاً مما قال الله عز وجل، أو شيئاً مما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتق الله رحمك الله! وانظر لنفسك، وإياك والغلو في الدين؛ فإنه ليس من طريق الحق في شيء].
هنا أشار الشيخ أيضاً إلى نواقض الإسلام، وأشار أيضاً إلى أمر مهم، وهو أنه ليس بين العبد وبين الكفر إلا أمور قد يستصغرها أغلب الناس، وهي أحياناً أمور قلبية أو لسانية أو عملية غير ظاهرة، وأن الكفر لا يعني أن الإنسان يمر بمراحل وأحوال وتقلبات ظاهرة، أو يمر بأشياء لا بد أن تترتب بعضها على بعض! لا، فأحياناً يحدث الكفر في لحظة، بحالة القلب، أو بكلمة من اللسان، أو بعمل مكفر، وهذا أمر خطير ينبغي أن نتنبه له، بعض الناس يظن أن الكفر أمر صعب، وأنه بعيد عن المسلم إلا بأحوال وإجراءات قد لا يقع فيها المسلم إلا عمداً، بينما الصحيح أنه قد يقع في قلبه أشياء توقعه في الكفر، لكن الحكم بكفره هو الذي يحتاج إلى شيء من التأني، أما الوقوع في الكفر فإن المسلم يخشى عليه ما لم يتعاهد نفسه بفهم العقيدة الصحيحة، وبالاستعانة بالله عز وجل والتوكل عليه والخضوع له، وبالحذر من فلتات اللسان وخطرات القلب التي ربما تخرجه من الدين، فليكن المسلم حذراً من أن يحدث له ما يخرجه من الدين، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو بقوله: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك)، وأشار إلى أن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.
فالمسألة خطيرة جداً، فما بين الكفر والإيمان إلا شعرة، ذكر الشيخ نماذج منها قال: (ما بين العبد وما بين أن يصير كافراً إلا أن يجحد شيئاً مما أنزله الله تعالى).
الجحد أيضاً أحياناً يحدث من الإنسان وهو غافل، لكن لا يحكم بكفره، كمن يسمع نصاً من النصوص الشرعية يظن أنه ليس بصحيح فيجحده، فهذا قال الكفر لكن قد لا يكفر لأنه جاهل، وأعظم من هذا من يسمع بأمر من أمور الدين فينكره؛ ظناً منه أنه ليس من أمور الدين، وهو من أصول الدين ومن قطعيات الدين، فقد يجحده ظناً منه أنه ليس من الدين.
أما إذا جحد لهواه أو استناداً على مقاييس ومصادر تلق من غير الدين؛ فإنه يكفر كفراً صريحاً.
وكذلك قال: (أو يزيد في كلام الله عز وجل)، هذا أيضاً من بواعث الكفر، وهو أن يدخل في الدين ما ليس منه، سواء زاد آية أو زاد حديثاً، أو لم يزد آية ولا حديثاً لكنه جعل شيئاً من البدع من الدين وليس من الدين.
(أو ينقص) أي: ادعاء أن هناك أموراً من أمور الدين الأصلية يمكن أن يستغنى عنها، أو لا نحتاجها، أو ليست من الدين؛ فهذا أيضاً من النقص، وربما يقع به الإنسان في الكفر، أما الإنكار فهو يرجع إلى الجحود، لكن الجحود أشد من الإنكار؛ لأن الإنكار يدخل فيه الإنكار باللسان، بينما الجحود جحود اللسان والقلب، أو جحود القلب، فهو أشد من الإنكار.