للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مصادر الدين]

قال رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أن الدين إنما جاء من قبل الله تبارك وتعالى، لم يوضع على عقول الرجال وآرائهم، وعلمه عند الله وعند رسوله، فلا تتبع شيئاً بهواك، فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام، فإنه لا حجة لك، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته السنة وأوضحها لأصحابه وهم الجماعة، وهم السواد الأعظم، والسواد الأعظم الحق وأهله، فمن خالف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء من أمر الدين فقد كفر].

هذه الفقرة كلها في مصادر الدين، وقد ذكر أن الأصل في الدين الوحي، أي: ما جاء عن الله تعالى، وما جاء عن رسوله صلى الله عليه وسلم.

فقوله: (إنما جاء من قبل الله تبارك وتعالى) يعني بذلك الوحي، والوحي يشمل القرآن وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.

ثم ذكر مصادر الضلالة التي عولت عليها الفرق وأهل الأهواء والديانات الباطلة، وهي التعويل على عقول الرجال، وهذا يشمل أغلب مصادر التلقي عند أهل الأهواء؛ لأن التعويل على العقول يشمل الفلسفات ومناهج المتكلمين، ويشمل أيضاً تقديم العقل على النقل، ويشمل تحكيم الأهواء، كما يشمل مصادر التلقي عن الأشخاص، مثلما يسميه الصوفية الكشف والذوق والتلقي عن الولي أو ما يسمونه الإلهام أحياناً، والكرامات وغير ذلك، والكرامات في الأصل حق، لكنهم يسمون دجل الشياطين كرامات، فكل ذلك راجع إلى عموم التعويل على عقول الرجال.

ثم ذكر أن ذلك كله جامعه الهوى فقوله: (فلا تتبع شيئاً بهواك فتمرق من الدين فتخرج من الإسلام)، يقصد بذلك أن من استمد الدين من غير الكتاب والسنة فلا شك أنه يمرق من الدين، خاصة من لم يتأول، أما المتأول فقد التبس عليه الحق بالباطل فظن أنه اعتمد على مصادر الدين، في حين أنه جعل عقله أو مقرراته التي يدين بها هي الأصل، ثم راح يلتمس لها الأدلة من النصوص، لكن مع ذلك فإن المتأول لا يخرج من الملة إلا بعد إقامة الحجة بشروطها، وأما من تعمد أخذ الدين عن غير مصادره الأصلية فلا شك أنه ينطبق عليه حكم المؤلف وهو الخروج من الإسلام.

وذكر أن سبب ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الدين كله، ولم يعد لأحد حجة، ولا له أن يدعي أن الدين يحتاج إلى بيان أو تقرير أو إلى استمداد من غير الكتاب والسنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>