للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مدارك العقول في صفات الله تعالى]

في هذه الفقرة أشار الشيخ إلى شيء من قواعد إثبات الصفات لله عز وجل، وذكر أنموذجاً من صفاته، وهو السمع والبصر والعلم واليدين، وهذه الصفات منها ما هو خبري ومنها ما هو معلوم بالعقل والخبر، فالعلم معلوم بالعقل بالضرورة لله عز وجل، وكذلك جاء به الخبر.

والسمع والبصر كذلك مما تقر به العقول، وقد جاء به السمع، وإن كان بعض أهل العلم يرى أن السمع والبصر موقوفان على الوحي لأنهما سمعيان فقط؛ لكن الصحيح أن العقول السليمة تقتضي إثبات السمع والبصر لله عز وجل كإثبات العلم.

أما اليد واليدان فإنما تثبت بالخبر فقط فهي سمعية؛ لأنها لا تدخل في مدارك العقل ولا يد للعقل في إثباتها قبل أن تثبت في السمع وترد في الخبر الصحيح، فلما وردت بالخبر الصحيح فلابد أن يقر بها العقل؛ لأن إدراك العقل على نوعين: النوع الأول: ما يدركه العقل ابتداء، وهذا يشمل جميع صفات الكمال لله عز وجل على جهة الإجمال، وكثير من صفات الكمال على جهة الإفراد.

النوع الثاني: ما لا يستطيع العقل أن ينفيه، وإذا ثبت فإنه يؤيده، وهي الصفات الخبرية مثل الاستواء والنزول والمجيء والرضا والغضب واليد، فهذه الصفات خبرية لا ينفيها العقل، ولا يستطيع أن يثبتها استقلالاً لو لم ترد بالكتاب والسنة؛ لأنها خبرية بحتة تتعلق بالأفعال التي لا يمكن استنباطها بالعقول ابتداء، أو تتعلق بالصفات الذاتية التي لا يمكن استنباطها بالعقول ابتداء، لكن إذا ثبتت فإن العقل يؤيدها ولا ينفيها.

ولذلك لما لم يوفق أهل الأهواء من المعتزلة والجهمية ومتكلمة الأشاعرة إلى هذا التصور وقعوا في الخلط، فإنهم ظنوا ألا يثبت لله عز وجل إلا ما أثبته العقل استقلالاً، وأن ما لم يثبته العقل استقلالاً فإنه لابد له من تأويل.

وهذا غلط! فإننا نقول: ما يدخل في مدارك العقل على نوعين: نوع يثبت ابتداء كالعلم والحكمة والإرادة لله عز وجل، ونوع لا يثبت ابتداء لكنه إذا ورد لا يملك العقل أن ينفيه، أي أنه ليس في إثباته ما يناقض العقل، وهذا كالصفات الخبرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>