للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[معنى قول المؤلف في الفاجر: (فاصحبه واجلس معه)]

إذاً ليست مصاحبة صاحب الفجور من الأمور المطلوبة، وقوله: (فاصحبه) بمعنى: أن الفجور لا يمنع من أن تصاحبه عند الحاجة في سفر أو حج أو نحو ذلك لعلك تستصلحه، بخلاف صاحب البدعة.

فلعله قصد بالصحبة الصحبة عند الضرورة أو الحاجة التي تقتضي ذلك.

والجلوس معه أيضاً في غير فسقه، أي في غير مجال الفسق، كأن تصاحبه في الطريق إلى المسجد، أو تصاحبه في الوليمة، أو في الزيارة الشرعية، أو في جنازة، أو تتحدث معه في الأمور العامة وفيما يصلح حاله، وتجيب دعوته وهو في غير حال فجور وتدعوه هذه من الأمور التي تشرع لا سيما مع حسن النية والنصح، أما صاحب البدعة فهذه الأمور تتجنبها إطلاقاً.

فمن هنا لعل الفرق هو الذي جعل الشيخ يقول هذا الكلام، أما مصاحبة صاحب الفجور مصاحبة منادمة ورضا، ومصاحبة محبة لما هو عليه، بمعنى أن تعطيه نفسك في الصداقة والولاء والمودة فهذا غير صحيح، بل يجتمع فيه الولاء والبراء، فتبرأ من فسقه وفجوره، ومن مجالسته حالة فسقه وفجوره، وتواليه بما فيه من الخير وبقاء الفطرة وتناصحه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ورأى يونس بن عبيد ابنه وقد خرج من عند صاحب هوى فقال: يا بني من أين جئت؟ قال: من عند فلان، قال: يا بني لأن أراك خرجت من بيت خنثى أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان؛ ولأن تلقى الله يا بني زانياً فاسقاً سارقاً خائناً أحب إلي من أن تلقاه بقول فلان وفلان.

ألا ترى أن يونس بن عبيد قد علم أن الخنثى لا يضل ابنه عن دينه، وأن صاحب البدعة يضله حتى يكفره].

قصد الشيخ أيضاً ما ذكرنا في السابق فليس القصد من كلامه أن تصاحب الخائن والفاسق والزاني وتجلس معه في بيته وتنادمه وتجالسه، لكن يقول: إذا خير الإنسان بين مفسدتين في المصاحبة والمجالسة، فكونه يصاحب العاصي الذي يرجى له التوبة ومعصيته ظاهرة وخطره أقل على الدين، أسهل من الوقوع في مصاحبة صاحب البدعة.

فهذه المقارنة كسابقتها.

وقوله: (خرجت من بيت خنثى)، يقصد البيوت المشبوهة، وإن كان الخنثى له مفهومان: مفهوم يقصد به من لديه آلة الذكر والأنثى، وقد يقصد به أيضاً من عنده شيء من الفساد الخلقي، وقد يقع فيه كثيراً هذا الصنف من الناس، فالمقصود المشبوه، يعني: لأن أراك خرجت من بيت مشبوه أحب إلي من أن أراك تخرج من بيت فلان وفلان، ممن هم من أهل البدع.

قد يكون الشيخ تساهل في التعبير فإنه لا هذا ولا ذاك مطلوب، فالمسلم عليه أن يجتنب مواطن الخنا والشبهة، وأهل الخنا والشبهة في المجالسة والمنادمة وفي دخول بيوتهم وغير ذلك، لكن كما قال عند المقارنة لا شك أن هذا أسهل وأقل خطراً من ذاك، أي من صاحب البدعة مهما كان.

<<  <  ج: ص:  >  >>