للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بالإسراء والمعراج]

قال رحمه الله تعالى: [والإيمان بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسري به إلى السماء الدنيا، وصار إلى العرش، وكلم الله تبارك وتعالى، ودخل الجنة واطلع في النار، ورأى الملائكة، وسمع كلام الله عز وجل، ونشرت له الأنبياء، ورأى سرادقات العرش والكرسي وجميع ما في السموات وما في الأرض في اليقظة، حمله جبريل عليه السلام على البراق حتى أداره في السموات، وفرضت له الصلاة في تلك الليلة، ورجع إلى مكة في تلك الليلة، وذلك قبل الهجرة].

هذه المسألة تتعلق بأصل من أصول الدين، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، وفي نفس الليلة عرج به إلى السماء.

والإسراء هو انطلاقه من البيت الحرام إلى بيت المقدس، والمعراج هو عروجه من بيت المقدس إلى السموات السبع وما بعدهما، وهذا أمر حدث فعلاً، وهو من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وخصائصه التي خصه الله بها.

وقد تعلقت بالإسراء كثير من الأحكام في العقيدة والشريعة، فالإسراء كان يقظة، وكان بالروح والجسم على الراجح.

ولذلك لم يقع عند السلف خلاف قوي في أن الإسراء والمعراج كان يقظة، إنما الخلاف في الروح والجسد، وإن كان هناك ثلاثة أقوال: فهناك قول يقول: بأن المعراج كان بالروح فقط، وممن نسب إليه هذا القول: عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، لكن يقولان بأنه يقظة هذا هو الظاهر من قولهم.

وقال جمهور السلف قديماً وحديثاً وعليه أغلب الصحابة والتابعين وتابعيهم: إن الإسراء والمعراج بالروح والجسد، وإن هذا هو معنى كونه معجزاً تحدى الله به المشركين، وصار آية من آيات الله عز وجل ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

وهناك أقوال أرادت أن تجمع بين هذه الأقوال كالقول بأن الإسراء والمعراج حصلا أكثر من مرة، مرة بالروح والجسد ومرة بالروح فقط، ومرة يقظة ومرة مناماً إلى آخره.

ومنهم من قال: إن الإسراء كله منام، وهذا قول ضعيف لا يتماشى مع مقاصد الشرع في ذكر الإسراء والمعراج؛ لأنه لو كان مناماً لكان حلماً، والأحلام لا يتميز بها أحد، فلذلك شنع السلف على هذا القول.

ومما يتعلق بالإسراء أن الإسراء لم يتبين وقته في أي ليلة من الليالي ولا في أي شهر على سبيل التعيين والجزم، وهذا مما يسقط دعوى المبتدعة الذين يحتفلون بمناسبة الإسراء والمعراج ليلة السابع والعشرين من رجب، فهم مخطئون في تقدير الوقت ولو أصابوا ما جاز الاحتفال به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه.

والنبي صلى الله عليه وسلم أولى بأن يحتفل بهذه الليلة التي فيها الإسراء والمعراج لو تحددت، لكن لعل من حكمة الله عز وجل أنها لم تتبين ولا يصح في تحديدها خبر كما قال كثير من المحققين من أهل العلم.

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما أسري به رأى الأنبياء في بيت المقدس وصلى بهم إماماً، ثم رآهم في السماء، ولا تنافي بين هذا وذلك؛ لأن ذلك راجع إلى قدرة الله عز وجل، وهو من أمر الغيب، والغيب لا تحده حدود الزمان والمكان التي تحد واقع البشر في الحياة الدنيا.

فالأنبياء حياتهم حياة برزخية والحياة البرزخية لا تقاس بمقاييس الحياة الدنيا التي نعيش فيها فعلى ذلك ليس هناك ما يمنع من أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في بيت المقدس ورأى طائفة منهم في السماء، حيث رأى في السماء الدنيا آدم، وفي السماء الثانية يحيى وعيسى، وفي السماء الثالثة يوسف، وفي السماء الرابعة إدريس، وفي السماء الخامسة هارون، وفي السماء السادسة موسى، وفي السماء السابعة إبراهيم.

وأنه تجاوز السموات صلى الله عليه وسلم ووصل إلى سدرة المنتهى، وفرضت عليه الصلاة ورأى أموراً عجيبة من أحوال الجنة وأهلها وأحوال النار وأهلها، وأحوال الأنبياء والملائكة، وأحوال الدنيا والآخرة، ورأى من آيات ربه الكبرى ما أطلعه الله عليه، وهي من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ومن دلائل فضله وتكريمه، وكان من أعظم ما كرمه الله به أنه رأى ربه بقلبه، وأنه كلمه ربه بواحاً كلاماً يليق بجلال الله عز وجل.

وهذه أعظم الفضائل التي يمكن أن ينالها بشر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم أن أرواح الشهداء في قناديل تحت العرش تسرح في الجنة، وأرواح المؤمنين تحت العرش، وأرواح الفجار والكفار في برهوت وهي في سجين].

هذه كلها من أحوال الحياة البرزخية، فأرواح الشهداء في قناديل في الجنة، وكذلك أرواح المؤمنين، وأنها ترتفع وتتفتح لها أبواب السماء، وأنها تكون تحت العرش، هذا كله قد ورد فيه نصوص.

وكذلك أن أرواح الكفار في سجين وردت فيها النصوص، أما أن أرواح الكفار والفجار في برهوت فهذا لم يرد فيه نص صحيح والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>