[معاني السنة]
قال الإمام أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [الحمد لله الذي هدانا للإسلام ومن علينا به، وأخرجنا في خير أمة، فنسأله التوفيق لما يحب ويرضى، والحفظ مما يكره ويسخط.
اعلموا أن الإسلام هو السنة والسنة هي الإسلام، ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر].
أحسن المحقق في ترقيم هذه الفقرات، وهذه هي الفقرة الأولى، فبدأ في الفقرة الأولى حسب ترقيم المحقق بشرح معنى السنة، وهذا مدخل طيب؛ ذلك أن موضوع الكتاب هو شرح السنة، فمن المناسب جداً أن يبين معنى السنة، وقد لخص معنى السنة بمفهوم شرعي موجز كعادة السلف في القرون الثلاثة الفاضلة في تعريفهم للمعاني الشرعية، وذلك أنهم يقتصرون على الألفاظ الشرعية ويوجزون بأبلغ عبارة، وما كانوا يتكلفون التشقيق والتفريع، وما جاء تشقيق العبارة وتفريعها إلا في القرن الرابع وما بعده.
فقوله: (اعلموا أن الإسلام هو السنة)، هذا أيضاً ينعكس فإن السنة هي الإسلام، وقصده أن الإسلام الذي أمر الله بالأخذ به هو ما سنه الرسول صلى الله عليه وسلم، من السنة بمعناها العام التي هي الإسلام.
إذاً نقول: كما أن الإسلام هو السنة، فكذلك السنة هي الإسلام، فهما مترادفان على هذا المعنى الشامل.
قوله: (ولا يقوم أحدهما إلا بالآخر)، معناه: لا تستقيم السنة إلا بالتسليم والإذعان لله عز وجل، وكذلك لا تتم ثمرة الإذعان والتسليم إلا بالعمل بالسنة، وهذه من الكلمات الجوامع التي تجمع معاني الإسلام بألفاظ موجزة، وهذا المعنى -أي: شرح الإسلام بالسنة وشرح السنة بالإسلام- يجعلنا نقف قليلاً في شرح معاني السنة التي تتفرع عن هذا المعنى الإجمالي، فالسنة لها معان كثيرة أولها هذا المعنى الذي ذكره البربهاري، وهو أنها تعني الإسلام بجملته، أي: ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً فهو السنة.
ثانياً: تطلق السنة مقابل القرآن، أي المصدر الثاني للدين، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في وصيته: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي) فجعل السنة نوعاً آخر من مصادر الدين بعد القرآن.
والمعنى الثالث: التقرير والهدي، وهذا يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رغب عن سنتي فليس مني)، وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين) يعني: جملة ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال والتقريرات والهدي، وهذا المعنى يرادف المعنى الأول، لكن هذا أكثر تفصيلاً.
الرابع من معاني السنة: أنها تطلق في مقابل البدعة، يقال: هذه سنة وهذه بدعة، كما أنها تطلق مغايرة للبدعة، فالسنة خلاف البدعة، أي: ما شرع بدليل شرعي، ويقابل هذا ما جاء في بعض الآثار: ما أحدث الناس بدعة إلا تركوا من السنة مثلها، فهي تطلق مقابل البدعة.
المعنى الخامس: تطلق السنة على ما عليه السلف من العلم والعمل.
المعنى السادس: تطلق السنة مقابل الواجب، فتأتي بمعنى النافلة وبمعنى المستحب أو الأمر الشرعي غير المؤكد، وقد تطلق على المؤكد مما دون الفرض، وهذا في جانب التشريع والأحكام، وكثيراً ما يقال هذا سنة أي: ليس بفرض، أو يقال: هذه سنة أي: ليست بواجبة.
فالسنة ترادف الأمر المؤكد الذي لا يجب، أو الأمر المستحب مما دون المؤكد، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل فرض عليكم صيام رمضان وسننت لكم قيامه)، فالفرض أعظم من السنة، والسنة دون الفرض.
وهذا كثير في ألفاظ الشرع وكثير أيضاً عن الأئمة والفقهاء، فقد يقولون: سنة يعني ليس بواجب وليس بمفروض، وكل هذه الإطلاقات صحيحة، لكن أشملها وأعظمها وأكثرها مدلولاً هو السنة بالمعنى الأول، أي: أنها الإسلام، وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من الاعتقاد والقول والعمل والهدي والتقرير وسائر الدين.