في هذا المقطع ذكر بعض الأصول: أولها: تقرير أن الدين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وسماه العتيق بمعنى الأصل الأول الذي تركنا عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد كمل الدين، فالعتيق هنا تعني المنسوب إلى الزمن الأول أي: إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو زمان قديم بالنسبة إلى عصر المؤلف وما بعده.
ثم ذكر أصلاً آخر، وهو أن الأمة كانت متفقة، وإجماعها معتبر، وأصولها واحدة، وجماعتها واحدة إلى مقتل عثمان رضي الله عنه، فبعد مقتل عثمان لم يستتب الأمر لـ علي رضي الله عنه، ولم تتم الجماعة على الوجه الكامل، خاصة فيما يتعلق بالشغب الذي حدث من السبئية الخارجين على عثمان، والذي انبثق عن الافتراق الحقيقي افتراق الخوارج وافتراق الشيعة، فعلى هذا لا اعتبار للخلاف بعد هذه الفتنة، أي لخلاف السنة، فقد انتقضت قاعدة أن المسلمين كانوا كلهم على سمت واحد وهدي واحد في الدين، وفي الإمامة، والخلافة، وفي سائر الأمور، والجماعة كانت جماعة واحدة إلى أن حدث هذا الحدث العظيم، وانبثق عنه خروج الفرق الأولى التي خرجت عن المسلمين.
إذاً: كان قتل عثمان رضي الله عنه بداية شرارة الفرقة، وإن كانت لم تحدث إلا بعد قتله بثلاث أو أربع سنوات.
وأول افتراق ظاهر أعلن سنة (٣٧هـ)، لكن هذا من حيث الإعلان، أما من حيث الوقوع فإن مجرد وجود الاحتشاد من قبل أهل الفتنة كان بداية ظهور الافتراق، أو بداية تقرير الافتراق وإن لم يظهر.