للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل الأهواء يستميلون الغوغاء بالدنيا]

وقوله: (فتحاربت الأمة)، يقصد: طوائف من الأمة، وذلك أن الذين خرجوا على الأمة أوقعوا الأمة في الحرج، فحدثت الحرب بين الفرقاء المختلفين.

(وتفرقت) بمعنى أنها ظهرت الفرق التي فارقت الجماعة وإن كانت قليلة ومغمورة إلا أنها حدثت بها الفرقة، (واتبعت الطمع والأهواء)، أي طوائف من المنتسبين لهذه الأمة استهوتهم الأطماع والأهواء فكانوا ضمن من خرجوا على الجماعة فيما بعد، (والميل إلى الدنيا)؛ لأن البواعث على الفتنة التي أثارها ابن سبأ والزنادقة، واستمالوا فيها الغوغاء والرعاع أغلبها بواعث مادية، كانوا يقولون -زعماً- بأن عثمان رضي الله عنه لما فتحت الدنيا عليه أغدق على الصحابة حتى قعدوا عن الجهاد، وجلسوا في الضيع والبساتين، وتركوا الأمة، وهذه شبهات انطلت على ضعاف العقول وضعاف العلم، وعلى حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام.

وقالوا أيضاً بأن عثمان رضي الله عنه ولى أقاربه، وأنه لم يعدل في القسم، وأنه حابى أناساً وترك أناساً إلخ.

إذاً: المنشأ والمطمع والباعث لتحريك العواطف هو أمور الدنيا، والكلام في الأثرة، وهذه السمة هي سمة أهل الأهواء في كل زمان، أول ما يبدءون في دغدغة عواطف العوام وأشباه العوام من الرعاع والدهماء والنساء والأحداث بهذه الأمور، ويبطنونها بدعاوى الدين، لابد أن يظهروا أن ما حدث من مظالم ضد العدل وضد ما أمر الله به، ومجاوزة لدين الله، ومجاوزة للشرع، في حين أنهم يسيلون لعاب هؤلاء بالدنيا؛ ولذلك أكد النبي صلى الله عليه وسلم على الصبر على الظلم والصبر على الأثرة في أحاديث كثيرة، ولا شك أن هذا من تشريع الله عز وجل للأمة؛ فإن ذلك لعلم الله عز وجل بأن هذه الأمور من بواعث الفتن عند الناس، وأنه أكثر ما يفرق بين المسلمين ويفتت جماعتهم، وهذا ما حدث في عهد عثمان كما تعلمون، وكما قلت هذه سمة غالبة في سائر أهل الأهواء في كل زمان ومكان.

قال: (فليس لأحد رخصة في شيء أحدثه ما لم يكن عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، هذه أيضاً قاعدة ترجع إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد).

(أو يكون رجل يدعو إلى شيء أحدثه من قبله من أهل البدع فهو كمن أحدثه)، بمعنى أن داعية البدعة كمؤسسها وقائلها الأول؛ لأنها في سبل الغواية وسبل الشيطان.

(فمن زعم ذلك أو قال به فقد رد السنة وخالف الحق والجماعة، وأباح البدع، وهو أضر على هذه الأمة من إبليس)، من وجه وليس من كل الوجوه؛ لأن غالب أهل الأهواء تلبيسهم على الناس بحكم أنهم يظهرون بمظاهر التقوى والصلاح.

أما إبليس فمعلوم شره، ومعلوم أنه شر من كل وجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>