والقول الراجح الذي عليه المحققون من أهل العلم قديماً وحديثاً أن الموتى لا يسمعون مطلقاً إلا ما ورد النص به، فهم يسمعون السلام، ويحسّون بالزائر لهم الزيارة الشرعية، وأيضاً يسمع الميت قرع نعال الناس حينما ينصرفون من دفنه لكن لا يسمع غير ذلك.
وأيضاً فإن الميت قد يستأنس أول دفنه بمن حوله من الناس بناء على قصة عمرو بن العاص التي لم يُنكرها الصحابة، وهذه أمور توقيفية، وهذا هو الراجح أن الأمور التوقيفية يُثبت سماع الأموات فيها كما وردت بالنصوص، وما عداها لا يُثبت لأنه يحتاج إلى دليل، فالنصوص التي نفت تنفي أن يكون للموتى سمع تبقى دلالتها كقوله عز وجل:{إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى}[النمل:٨٠] تبقى دلالتها على أن الموتى لا يسمعون إلا ما ورد استثناءه في النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وصح.
فلو أن إنساناً جاء إلى المقبرة وأخذ يُنشد شعراً أو يرثي وينوح، فالدليل قائم على أن الأموات لا يسمعونه، ومن باب أولى إذا جاء يطلب حوائج أو غيرها، ولو سمعوا ما استجابوا له، لكن الصحيح أنهم لا يسمعون.
إذاً فالحاصل أن سماع الموتى محصور فيما ورد به النص، وما عداه يحتاج إلى دليل، وهذا أمر غيبي لا دليل عندنا فيه، ولا يقاس ما لم يرد بما ورد؛ لأن هذه أمور غيبية بحتة لا يصح فيها القياس، وما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم من إسماعه بعض الموتى إما خاص وإما يدخل في عموم ما ثبت لجميع المسلمين أو لجميع الخلق.