[أول الإسلام وأول واجب على المكلف]
قال أبو محمد الحسن بن علي البربهاري رحمه الله تعالى: [واعلم أن أول الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأن ما قال الله كما قال ولا خلف لما قال، وهو عند ما قال].
في هذه الفقرة يشير المؤلف إلى الأصل عند السلف وإلى تخطئة المخالفين؛ لأن قوله: (أول الإسلام) فيه إشارة واضحة إلى الرد على الذين قالوا: بأن أول واجب على العبد وأن مفتاح الدخول إلى الإسلام هو النظر أي: في وجود الله عز وجل ووحدانيته وأسمائه وصفاته كما يقول المتكلمون ومن سلك سبيلهم، فهو يقرر الحق الذي ورد في الكتاب والسنة والذي كان عليه سلف هذه الأمة، وهو أن أول الإسلام هو تسليم القلب واللسان والجوارح لله، ويتمثل ذلك بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو أول واجب على العبد.
أما من زعم غير ذلك فقد أخطأ؛ لأن المتكلمين الذين زعموا أن أول واجب على المكلف هو النظر ألجئوا الناس إلى ما لا يطيقون؛ لأن المقصود بالنظر هو استقلال العقل بمعرفة ما يرضي الله عز وجل، وهذا لا يمكن أن يكون؛ لأنه ليس المقصود في قول أهل السنة إن أول الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله النظر في وجود الله ووحدانيته وأسمائه وصفاته على سبيل العموم بما اقتضاه العقل.
ليس هذا هو المقصود؛ لأن هذا أمر فطري، إنما المقصود والمطلوب من العباد هو التسليم لله عز وجل والإذعان له، ثم التسليم للرسول صلى الله عليه وسلم وأن يطاع فيما جاء به عن الله ثم ما بعد ذلك يعتبر متضمناً في الشهادة.
وما يتعلق بذات الله وأسمائه وصفاته فلا شك أنه مطلوب من العباد، وهو أول أركان الإيمان ومقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، لكن ذلك على جهة التفصيل لا يمكن للعبد أن يصل إليه بالنظر الذي هو التفكير أو بالقصد إلى النظر، فإن الله عز وجل قد كفانا ذلك، فقد ذكر الله عز وجل وذكر رسوله صلى الله عليه وسلم كل ما يتعلق بالله في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله وحقوقه على جهة التفصيل، مما جعلنا لا نحتاج إلى أن نلجئ عقولنا للخوض فيما لا تدرك ولا تطيق، ولأن هذه الأمور متعلقة بأمور الغيب، والعقل لا يدرك إلا الإجماليات التي لا يتحقق بها رضا الله عز وجل ولا تتحقق بها عبادته؛ لأن الإدراك الإجمالي موجود عند المسلمين كما هو موجود عند غير المسلمين، أعني الإدراك الإجمالي لوجود الله ووحدانيته وتفرده بالخلق والرزق، فقد ذكر الله عز وجل لنا أن المشركين ليس عندهم في ذلك مشكلة.
إذاً: فلا يصح ما يقوله أهل الأهواء من أن أول واجب على العبد النظر، أو أن أول الإسلام هو التفكير في وجود الله ووحدانيته إلى آخره فإن هذه الأمور قد كفيناها فلم يبق علينا إلا العمل وتحقيق الألوهية لله سبحانه، ولاشك أن ذلك يستلزم الإقرار بالربوبية يتضمنه، ويتضمن الإقرار بأسماء الله وصفاته وأفعاله وبكل ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم جملة وتفصيلاً، والتسليم بذلك بلا نقاش ولا دخول فيما لا تدركه العقول.
قوله: (وأن ما قال الله كما قال) قصده أن ما قال الله عز وجل في أمور الدين وبخاصة ما يتعلق بأمور الاعتقاد في ذات الله وأسمائه وصفاته وأفعاله هو كما قال الله وما قاله رسوله صلى الله عليه وسلم فهو كما قال؛ أي أنه حق على حقيقته وليس مجرد تخييلات أو أمثلة، ولا كما يقول المتكلمون أيضاً أنه أمور عنى الله بها غير ما جاءت ألفاظ الشرع به.
قوله: (ولا خلف لما قال) خاصة فيما يتعلق بالخبر والوعد؛ لأن الله لا يقول إلا الحق وقوله الصدق.
قوله: (وهو عند ما قال) تفسير لما سبق، يعني: أن كل ما ورد عن الله عز وجل حق كما قال وعندما قال.