للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من سمات المبتدعة التعطيل بذريعة التنزيه]

قال رحمه الله تعالى: [وإذا سمعت الرجل يقول: إنا نحن نعظّم الله إذا سمع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعلم أنه جهمي يريد أن يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويدفعه بهذه الكلمة، وهو يزعم أنه يعظّم الله وينزهه، إذا سمع حديث الرؤية وحديث النزول وغيره، أفليس قد يرد أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا قال: إنا نحن نعظّم الله أن يزول من موضع إلى موضع فقد زعم أنه أعلم بالله من غيره، فاحذر هؤلاء، فإن جمهور الناس من السوقة وغيرهم على هذا الحال، وحذّر الناس منهم].

يشير هنا إلى علامة من علامات الجهمية والمعتزلة وأهل الكلام عموماً، خاصة فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته وبعض السمعيات التوقيفية، فإن من شبهاتهم أنهم إذا وردت النصوص التي فيها إثبات لأسماء الله وصفاته وأفعاله أو بعض السمعيات قالوا: إن هذا يُشعر بالتشبيه، أو يشعر بالأمور المعروفة المعهودة في عالم الشهادة، وقالوا: إنه يجب إذا شعرنا بهذا الأمر أن نعظّم الله عز وجل، يقصدون بذلك ألا يثبتوا له شيئاً، فجعلوا تعظيم الله عز وجل ذريعة للتعطيل.

وهذه الشبهة موجودة في أذهان أكثرهم، بمعنى أنهم لم ينكروا أسماء الله وصفاته والسمعيات إلا حينما انقدح في أذهانهم المشابهة والمماثلة، فلما انقدحت في أذهانهم المماثلة فروا منها لكن لا إلى الإثبات اللائق أو إلى إثبات المعاني اللائقة، إنما فروا منها إلى التعطيل فصارت سمة لهم، بمعنى أنهم إذا سمعوا بآيات الله عز وجل التي فيها أسماء الله وصفاته وأفعاله، أو سمعوها في الأحاديث استشعروا أن هذا يوهم التشبيه، فانتقلوا من التشبيه إلى التعطيل وقالوا: إنما فعلنا ذلك لنعظّم الله عز وجل.

فإذا سمع المعطّل قول الله عز وجل: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] قال: أنا أعظّم الله، يقصد بذلك نفي صفته، زعماً منه أن إثبات اليد يقتضي المشابهة، وهكذا بقية الأمور، ولذلك ضرب الشيخ مثلاً لهذا بحديث الرؤية وحديث النزول، وأتى بنموذج لكلامهم فقال: (وإذا قال) أي: هذا المؤول المعطّل (إنا نحن نعظّم الله أن يزول من موضع إلى موضع، فإنه يقصد بذلك نفي النزول ونفي الاستواء)، فأشار إلى الشبهة وبنى عليها التعطيل فزعم أن إثبات النزول يعني إثبات الانتقال من موضع إلى موضع، أو زوال الله عز وجل من موضع إلى موضع على الوضع المعهود في المخلوقات، وإلا فهذا الكلام مجمل -أعني زواله من موضع إلى موضع- فهو مجمل لا ننفيه ولا نثبته، لكنا نثبت النزول؛ لأنه صريح كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم والنزول في حق الله لا يلزم منه ما يلزم في نزول الخلق.

فالمهم أن هذا منهج لأهل الكلام، يدخلون به على العوام وأشباه العوام، فيثيرون الشبهات حول النصوص ويزعمون أن من مقتضى تعظيم الله عز وجل إثارة هذه الشبهات، فيبنون عليه التعطيل والنفي، ويسمون النفي تعظيماً لله عز وجل، ويسمون التأويل تعظيماً لله عز وجل لأنه ناتج عن شبهات في أذهانهم، وهذه الشبهات لو التزمت قد تكون باطلاً، لكن ليست هي معاني النصوص، وهم فسّروا النصوص بتفسير خاطئ وجعلوا هذا التفسير الخاطئ ذريعة إلى الإنكار وإلى التحريف والتعطيل في أسماء الله وصفاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>