قال رحمه الله تعالى:[وقف عند المتشابه، فالله الله في نفسك، وعليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد، فإن الدين إنما هو بالتقليد -يعني للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم أجمعين- ومن قبلنا لم يدعونا في لبس فقلدهم واسترح ولا تجاوز الأثر وأهل الأثر].
يقصد بالتقليد هنا الاتباع، فبعض السلف يسمي الاتباع تقليداً، والتقليد الذي هو التبعية من غير بصيرة ولا تثبت لا يجوز.
قوله:(عليك بالأثر وأصحاب الأثر والتقليد)، العبارات يفسّر بعضها بعضاً، فالأثر هو آثار السلف الذين استمدوا مناهجهم من الكتاب والسنة؛ لأنه ليس لكل إنسان استطاعة ومقدرة بأن يستنبط أحكام الدين من الكتاب والسنة، هذا لا يكون إلا للراسخين أو للمتخصصين الذين تمكنوا من آلة الاجتهاد واستنباط الدين ومناهج الدين.
فإذاً: غالبية المسلمين في كل عصر حتى في العصور الأولى في عهد السلف الصالح لم يكونوا يستطيعون أن يستنبطوا أحكام الدين ويعرفوا أصول العقيدة بمجرد تلاوتهم لنصوص الكتاب والسنة، هذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، ولذلك فلابد أن يكون للناس مرجع، والمرجع هو الكتاب والسنة، الكتاب والسنة لا بد للرجوع إليهما من أصول وضوابط، والذي يعرف هذه الأصول والضوابط هم أهل الذكر الذين سماهم الله عز وجل وأمر باتباعهم فقال:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النحل:٤٣]، وهم الذين يستنبطونه كما وصفهم الله عز وجل، وإلا فلو فتحنا الباب لكل قارئ أن يستنبط من الكتاب والسنة لوقع من الناس مثل ما وقع من الخوارج والرافضة وأهل الأهواء، يستدلون كما يشاءون بأهوائهم من غير معرفة مقاييس الاستدلال وأصوله.
إذاً: الدين يؤخذ بالأثر الذي هو سبيل المؤمنين، وسبيل المؤمنين يتمثل بأقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم وفهومهم وتطبيقاتهم للدين ومناهج التعامل، هذا هو الأثر، فإذاً غير المتخصص وغير العالم لا بد أن يتّبع، وهذا ما سماه الشيخ التقليد.