للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كل ما ورد في كتاب شرح السنة للبربهاري مأخوذ عن الكتاب والسنة أو عن السلف أو عن أحدهم]

قال رحمه الله تعالى: [وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن أصحابه وعن التابعين، وعن القرن الثالث إلى القرن الرابع؛ فاتق الله يا عبد الله! وعليك بالتصديق والتسليم والتفويض والرضا لما في هذا الكتاب، ولا تكتم هذا الكتاب أحداً من أهل القبلة؛ فعسى يرد الله به حيراناً عن حيرته، أو صاحب بدعة عن بدعته، أو ضالاً عن ضلالته فينجو به، فاتق الله! وعليك بالأمر الأول العتيق، وهو ما وصفت لك في هذا الكتاب، فرحم الله عبداً ورحم والديه قرأ هذا الكتاب وبثه وعمل به، ودعا إليه واحتج به؛ فإنه دين الله ودين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين الله بدين وقد رده كله، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك في حرف؛ فقد رد جميع ما قال الله تعالى، وهو كافر.

كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها إلا بصدق النية وإخلاص اليقين، كذلك لا يقبل الله شيئاً في ترك بعض، ومن ترك من السنة شيئاً فقد ترك السنة كلها؛ فعليك بالقبول، ودع المحك واللجاجة؛ فإنه ليس من دين الله في شيء، وزمانك خاصة زمان سوء فاتق الله!].

هذا الكلام فيه شيء من التزكية والمبالغة لما كتبه الشيخ عن نفسه، لكن يظهر لي أنه يقصد مجمل ما ورد في الكتاب؛ لأنه لا يتصور أن مثل البربهاري يعتبر كل ما قاله من القطعيات، ومن هنا يكون هذا الوعيد على من خالف أو التأكيد على التمسك به، وقوله: (وجميع ما وصفت لك في هذا الكتاب فهو عن الله تعالى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن أصحابه أو عن التابعين)، يقصد هنا التنويع، أنه إما أن يكون عن الله تعالى، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة أو عن التابعين، أو عن القرن الثالث إلى القرن الرابع، وهو قد عاش في القرنين الثالث والرابع.

فيبدو لي أنه إذا عبرنا بـ (أو) فالكلام صحيح، أما أن ينسب جميع ما قاله عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم ففي هذا نظر؛ لأن هناك أشياء اجتهد فيها رحمه الله ليست ثابتة عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم، وهي محل نظر عند أئمة العلم، لكن السياق يتحمل أن يقصد التنويع، أن كل ما ذكره إما عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، أو عن الصحابة، أو عن التابعين، أو عن القرون الثلاثة المفضلة، وهذا صحيح، فكل ما ذكره مما قاله أئمة السلف أو بعضهم أو أحدهم، أما الباقي فهو أشبه بالموعظة والوصية، وهذا لا حرج عليه فيه حينما أمر بتوزيع هذا الكتاب ونشره والاهتمام به؛ لأنه يمثل خلاصة أصول أهل السنة والجماعة، وأظن -والله أعلم- أنه في وقته يندر أن يوجد مثل هذا الكتاب الجامع الموجز.

صحيح أن أئمة السلف في وقته كتبوا مطولات في العقائد، لكنها كانت إما ضمن كتب الحديث، أو كانت مفردة في العقائد لكنها طويلة ومسندة تصل إلى مجلدات، أو أنها في بعض قضايا العقيدة: إما في الإيمان أو في أفعال العباد، أو في قضية بدعة خلق القرآن، أو في مسائل القدر وغيرها.

فيندر في وقت المؤلف رحمه الله أن يوجد كتاب موجز يذكر أصول السلف على هذا النحو بجميع ما يرى أنه من الأصول، فهو من الكتب المبكرة جداً التي على هذا النحو، فيبدو لي أنه أوصى بالكتاب لأنه على هذا النحو الذي ذكرته لك، وإلا فهو يعلم أن للأئمة كتباً ومؤلفات فيها أصول الدين، وفيها ذكر هذه الأصول أو بعض هذه الأصول.

ثم ضمن هذه الوصية بعض الأشياء، مثل: (عليك بالأمر الأول العتيق) هذا سبق الكلام عنه.

وكذلك قوله: (فإنه من استحل شيئاً خلاف ما في هذا الكتاب فإنه ليس يدين الله بدين)، يقصد قضايا أصول الدين التي ذكرها، ما أظن أنه يقصد جميع ما ورد فيه؛ لأن بعض ما ورد فيه جزئيات وفرعيات، لكن يقصد جملة الأصول، فلا شك أن من استحل شيئاً من هذه الأصول التي اتفق عليها السلف فإنه ليس يدين الله بدين.

وقوله: (وقد رده كله) لأن من رد شيئاً من أصول الدين فقد رد الباقي.

ثم ذكر ما يؤيد ذلك، وذكر أيضاً مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، (كما أن شهادة أن لا إله إلا الله لا تقبل من صاحبها إلا بصدق النية وإخلاص اليقين، ولا يقبل الله شيئاً في ترك بعض هذه الأصول، ومن ترك من السنة شيئاً فقد ترك السنة كلها)، يعني: من الأصول القطعيات، لا يقصد السنة المفهومة عند الفقهاء التي هي بمعنى المستحبات وما دون الواجب ونحو ذلك، إنما يقصد بالسنة العقيدة، كما هو معروف عند السلف.

قوله: (فعليك بالقبول، ودع عنك المحك)، أي: المماحكة، وهي المغالطة والمراء والجدال، وهي أيضاً ترادف اللجاج، (فإنه ليس من دين الله في شيء).

(وزمانك): يقصد الزمان الذي كان فيه بداية القرن الرابع الهجري، وفعلاً تميز ذاك القرن برواج البدع وعنفها على السنة، وشدة وطأتها على المسلمين؛ بسبب وجود دويلات الرافضة، ودويلات الفلاسفة، الدويلات التي نشرت البدع، ومع ذلك كان زمانه من أفضل الأزمنة بعد القرون الثلاثة الفاضلة، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>