للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[كل علم في أمور الدين ليس في الكتاب والسنة فهو بدعة]

قال رحمه الله تعالى: [وكل علم ادعاه العباد من علم الباطن لم يوجد في الكتاب ولا في السنة فهو بدعة وضلالة، لا ينبغي لأحد أن يعمل به ولا يدعو إليه].

وهذا متعلق بمصادر التلقي للدين ومنهج التلقي، وهو يعني أن كل علم يدعيه أي إنسان مما لم يرد في الكتاب والسنة في أمور الدين فهو باطل، فالعلم في أمور الدين لا يمكن أن يستند إلا من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا في العموم، لكن من ادعى أيضاً أن عنده شيئاً من علم الباطن فهو بذلك أشد ابتداعاً.

وهذا ينطبق على الصوفية والباطنية، وينطبق على سائر أهل الأهواء، فإن كلاً منهم يدعي أن لديه علماً استمده من غير الكتاب والسنة، وقد يلبس على الناس ويزعم أنه استمده بموجب أصل من أصول السنة أو من آية من كتاب الله أو نحو ذلك، فهذا من تلبيس الشيطان.

ويشمل ذلك الصوفية الذين يدعون العلم اللدني، وأنهم توارثوه أو اكتسبوه عن طريق غير الطريق الشرعي، أو ما يدعونه من وسائل أخرى مثل ما يسمونه الكشف والذوق والفناء، سواء عن طريق اليقظة أو عن طريق المنام أو عن طريق الاصطلام أو ما يطلق عليه في العصر الحاضر الهسترة، فإن كثيراً من أهل التصوف والذين استحوذ عليهم الشيطان تأتيهم حالات أشبه بالجنون يفقدون فيها شيئاً من الوعي، فتختلط عليهم وساوس الشيطان وإيحاءات الشيطان ويهذون بما لا يعلمون، وتستغلهم شياطين الجن والإنس فيوحونه إليهم زوراً وكذباً ويدعون أن ذلك من الدين، وهذا يحصل كثيراً عند الذين يسلكون مسلك تجويع النفس والشدة في العبادة والانقطاع عن الأكل والشراب مدة طويلة، حتى يكون عند أحدهم نوع من الخلط في رءوسهم والخلط في قواهم وأعصابهم، فتستغلهم الشياطين والجن، فجعلوا لذلك مصادر اصطلحوا عليها فأحياناً يسمون ذلك الكشف أو الذوق أو الفناء أو الاصطلام.

وكل هذه الحالات يزعمون أنهم يتلقون فيها من العلم ما لم يرد بالكتاب والسنة، ثم هم يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهم على مثل هذه الترهات، حتى أنهم قد تبدو لهم شياطينهم بصور الصحابة أو بصور أئمة الإسلام السابقين أو المعاصرين مثلاً فيدعون أنهم أتوهم وقالوا لهم: هذا حق، وافعلوا كذا، واعملوا كذا، واعتقدوا كذا، فيأتون من ادعاء علم في الباطن.

أما الباطنية فمعلوم أنهم يعتقدون أن للشريعة ظاهراً وباطناً، وأن هذا الباطن هو ما يحلو لهم في أذواقهم وأهوائهم، فيفسرون نصوص الشرع بما لم يرد في الكتاب والسنة، بل بما لا تقتضيه أصول التفسير ولا مقتضيات اللغة ومصطلحات الناس، ويدعي كثير منهم أن ذلك مما يأتيهم من مصادر يزعمون أنها وحي أو علم لدني أو نحو ذلك، وكل ذلك من الباطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>