للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مصدر التلقي عند أهل السنة]

قال رحمه الله تعالى: [والحق ما جاء من عند الله عز وجل، والسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والجماعة ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان].

هذه قواعد معروفة، فالحق ما جاء من عند الله عز وجل، يعني: الوحي الذي جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، فإن هذا هو الحق، وهو الميزان وهو المرجع، فلا يجوز لمسلم أن يبحث عن الحق من غير الوحي.

فهو بهذا يشير إلى مصدر التلقي، والمسلم يجب أن يتلقى دينه مما جاء عن الله عز وجل.

ثم عرف السنة، وهذا من أجود التعاريف وأخصرها وأبينها أيضاً، أعني قوله: (والسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم).

فالسنة ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو بيان أو نحو ذلك من السيرة وغيرها.

ثم ذكر الجماعة أيضاً بأخصر معانيها، وهي ما اجتمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان، وكذلك علي، لكنه قصد بذلك أن علياً رضي الله عنه ما جاء بجديد؛ لأن الخلافة ما استقرت في عهده بسبب القلاقل والأحداث، فأكثر ما أشار به علي رضي الله عنه لا يخرج عن سنة الثلاثة.

وعلى هذا فإن هذا من تعاريف الجماعة، فالجماعة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقتهم، ثم من تبعهم على نهجهم فهو من الجماعة.

إذاً فللجماعة مفهومان معروفان: الجماعة بمعنى الجماعة الأولى، وهم الصحابة رضي الله عنهم، ومن جاء بعدهم فهو منهم بالتبع.

والمفهوم الآخر: أن الجماعة هم من اجتمعوا على الحق في كل زمان ومكان، وأولى من اجتمع على الحق الصحابة، فيعرف بهم غيرهم، ولذلك حينما يقتصر بعض السلف في تعريف الجماعة على الصحابة لا يقصد بذلك حصر الجماعة، لكن يقصد بذلك أنهم هم الأنموذج، ومن جاء بعدهم إلى قيام الساعة تبع لهم، وإلا فما حصر أحد من السلف الجماعة بالصحابة إلا المعاصرين لهم، فلما جاءت الأجيال التالية لهم ممن كان من الجماعة دخلت في هذا التعريف بالتبع، وهذا تعريف أو اصطلاح ساد عند السلف الأوائل أن يعرفوا الشيء بأوضح معانيه، أو بأبين أمثلته، أو بأفضل درجاته.

والدليل على هذا أنهم عرفوا علم العقيدة بالتوحيد، يقصدون بالتوحيد العقيدة كلها، بينما التوحيد هو توحيد الله عز وجل بأسمائه وصفاته وأفعاله، وتوحيده بالربوبية والإلهية والعبادة، وبقية الأمور سميت توحيد تبعاً؛ لأن توحيد الله هو أشرف علوم التوحيد وأعلاها وأجلها، فسمي العلم بأشرف أجزائه، فكذلك الجماعة أحياناً تحصر بالصحابة لا على سبيل الحصر الأنموذجي وأن من جاء بعدهم تبع لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>