للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الخلافة في قريش]

قال رحمه الله تعالى: [والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام].

هذه المسألة أيضاً فيها خلاف، وقد ورد في الأحاديث: (الأئمة من قريش)، وكان جمهور السلف يرون أن هذا شرط من شروط الإمامة إذا أمكن، أما إذا لم يمكن فإنهم يجيزون التحول عن شرط الكمال إلى شرط الإجزاء، والدليل حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو عبداً حبشياً)، وغيره من الأحاديث التي أمرت بطاعة الوالي مطلقاً قرشياً وغير قرشي.

فإذاً هذه المسألة تقرر على عدة صور: الصورة الأولى: إذا كان المجال مجال الاختيار المحض فيجب أن يكون قرشياً إن وجد، يعني: إن وجد قرشي فيه كفاءة؛ لأنه ورد في بعض الأحاديث أن قريشاً تضمحل في آخر الزمان، فقد لا يجد الناس في فئة من الفئات أو في مكان من الأمكنة الكفء من قريش فيولون من تتوفر فيه الصفات ولو لم يكن قرشياً.

إذاً: هذا في الغالب أنه شرط كمال.

الأمر الثاني: هل قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش)، من باب الأمر أو من باب الخبر؟ هذه مسألة لا تزال محل خلاف، فإن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأئمة من قريش)، قد يكون من باب الخبر؛ لأن أغلب الخلافة الكبرى التي قامت على مدى تاريخ الإسلام الطويل كانت في بني أمية وبني العباس، ثم إن الولايات التي قامت في تاريخ الإسلام أغلبها من قريش حتى افترقت الأمة الإسلامية وصارت دويلات متفرقة متمزقة، فمن هنا قد لا تتحقق القرشية في بعض البلاد فتكون الولاية فيمن تتوفر فيه شروط الولاية أو تتحقق له الإمامة ولو بالغلبة بمقتضى الأحاديث الأخرى.

فعلى هذا فالظاهر أنه يمكن أن يحمل الحديث على أنه من باب الخبر، أو أنه من باب الأمر لكن من باب الأمر فيما إذا تمكن المسلمون، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وفيما إذا وجد القرشي الكفء الذي يختاره أهل الحل والعقد، ولا تحدث بسببه فتنة، وهي الصورة الثانية.

هناك صورة ثالثة للخلافة: وهي فيما إذا كان الإمام أو الوالي غالباً على الناس، فتجب طاعته بصرف النظر عن كونه قرشياً أو غير قرشي، وقد حدث هذا في طيلة تاريخ التاريخ الإسلامي، بل حدثت دول كبرى في تاريخ الإسلام ليس الإمام فيها قرشياً، فلا يعني ذلك أنه يتحقق ذلك في كل الأزمان وكل الأمكنة بل ربما لا يتحقق.

<<  <  ج: ص:  >  >>