قال رحمه الله تعالى:[والإيمان بأن الله تبارك وتعالى يعذب الخلق في النار في الأغلال والأنكال والسلاسل والنار في أجوافهم وفوقهم وتحتهم، وذلك أن الجهمية منهم هشام الفوطي قال: إنما يعذب الله عند النار رد على الله وعلى رسوله].
هذه من جرأة أهل الأهواء على الكلام في الأمور الغيبية بغير علم وبغير برهان والجرأة في القول على الله بغير علم، فالأصل في الأمور الغيبية أن نقف على ما ورد به النص ولا نزيد ولا ننقص، فكون الله عز وجل يعذب من شاء في النار، وأن النار فيها أغلال وأنكال وسلاسل وأنها أيضاً تمس أجوافهم وأنها من فوقهم ومن تحتهم؛ هذا كله ثبتت به النصوص في القرآن والسنة، أما فلسفة الجهمية أو بعض الجهمية من قولهم: إن الله يعذب عند النار لا منها فهذه فلسفة جر إليها التلقي عن غير الكتاب والسنة والإمعان في تحكيم العقول فيما لا تدرك، والتمادي مع الأوهام والخيالات والوساوس، ثم إن هذا راجع إلى أصول فلسفية موجودة عند الفلاسفة القدامى الذين هم خصوم الأنبياء، وكل الفلاسفة الإلهيين خصوم للأنبياء، فعندهم مواقف غريبة تجاه الأمور الغيبية بما في ذلك اعتقاداتهم عن النار وعن الجنة أنها مجرد أمور تمس الأرواح وليس الأجسام وأن ما لا يقر به العقل في الدنيا فلا يجوز إقراره ولو عن الآخرة فهم يقولون: النار التي وصفت لا يمكن أن يتحملها جسم الإنسان قياساً على الدنيا، فإذاً: يكون العذاب عند النار لا فيها، وغير ذلك من الشبهات.
فلا شك أن هذا رد للحق ورد -كما قال الشيخ- على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قول على الله بغير علم، ولأنه حيدة عن الحق البين في أن الله يعذب أهل النار في النار فهم أهلها خلقت من أجلهم وتمتلئ بهم، نسأل الله العافية.
فالقول بأن الله يعذب أهل النار عند النار فيه عدول واضح عن الحق، وفيه تحكيم لأوهام العقول.