للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التوكل وأنواعه]

التوكل معناه: الاعتماد القلبي، وينقسم إلى قسمين: الأول: الاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه.

والثاني: الاعتماد على المخلوق فيما لا يقدر عليه.

فأما الاعتماد على المخلوق فيما يقدر عليه فإنه ينقسم إلى قسمين: اعتماد مباح، واعتماد محرم.

فأما الاعتماد المباح فهو أن يعتمد الإنسان على شخص يوكله في أمر من الأمور يقدر عليه، فالنبي صلى الله عليه وسلم وكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أن ينحر بقية الإبل عندما كان في الحج، والوكالة باب من الأبواب الفقهية، والله عز وجل يقول: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة:٢]، فالاعتماد على الآخرين في الأمور التي يقدر عليها الإنسان في العادة هو من جنس التعاون، وإن كان الأولى تركه، لا سيما فيما يمكن للإنسان أن يقوم به، ولهذا كان السلف -رضوان الله عليهم- إذا سقط سوط أحدهم تناوله بيده ولم يقل لأحد: ناولنيه، أو: أعطني إياه.

وأما الاعتماد المحرم على المخلوق فيما يقدر عليه فهو الاعتماد عليه فيما يقدر عليه وتعليق القلب به، فتعليق القلب بهذا المخلوق محرم، حتى لو كان يقدر عليه، ومثال ذلك كون الإنسان يتعلق بالوظيفة التي هو فيها، وقد يترك بعض ما أمر الله عز وجل به بسبب اعتماده على هذه الجهة أو تلك في عطائه أو رزقه، فهذا من المحرم، فإذا تعلق القلب بالمخلوق وصار فيه نوع افتقار وقع في الإثم، والعياذ بالله.

أما التعلق بالمخلوق والاعتماد عليه فيما لا يقدر عليه -سواءً أكان ذلك مما يقدر عليه الإنسان في الأصل، ولكن طلب من ميت أو من غائب، أم كان لا يقدر عليه جنساً وأصلاً -فهو شرك أكبر مخرج عن دائرة الإسلام، والتوكل على الله لا شك في أنه من أعظم أنواع العبادات.

ويمكن أن نقسم الاعتماد القلبي بالطريقة السابقة إلى قسمين: الاعتماد على الله، والاعتماد على غير الله.

فأما الاعتماد على الله فهو أصل عظيم من أصول التوحيد، ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير: تغدو خماصاً وتروح بطاناً).

يعني: تخرج من أوكارها جائعة خمصته البطون، وترجع في آخر النهار وقد امتلأ بطونها، وكل ذلك من رزق الله عز وجل، وهذا يدل على أنها منذ خروجها كانت معتمدة على الله عز وجل؛ إذ هو المتكلف بأرزاق العباد سبحانه وتعالى.

وأما الاعتماد على غير الله عز وجل فهو بحسب التفصيل السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>