للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشرك بالحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول: ما شاء الله وشئت.

عن قتيلة: (أن يهودياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أردوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت) رواه النسائي وصححه].

هذا الحديث إسناده صحيح رواه أحمد أيضاً والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، ووجه الدلالة فيه هو بيان نوعين من أنواع شرك الألفاظ: النوع الأول: هو التشريك بين الله وخلقه في اللفظ بحرف الواو، كقوله: ما شاء الله وشئت، وفيه تشريك من نوع آخر، وهو إضافة السببية إلى العبد، وقد تكون على سبيل التعظيم في بعض الأحيان، ولهذا نهى الشرع عن استخدام هذه العبارة.

والنوع الثاني: الحلف بغير الله، كقوله: والكعبة، فالكعبة مع أنها معظمة لا يجوز الحلف بها، وإنما يكون الحلف بالله سبحانه وتعالى، ولهذا قال: [فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وله -أيضاً- عن ابن عباس أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: (أجعلتني لله نداً؟! بل ما شاء الله وحده).

هذا الحديث رواه النسائي بإسناد لا بأس به، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً) يدل على أن الشرك يدخل في الألفاظ، فهذا الرجل قال: ما شاء الله وشئت، فقال صلى الله عليه وسلم: (أجعلتني لله نداً؟!) يعني: أجعلت مشيئتي نداً لمشيئة الله سبحانه وتعالى؛ لأنه قال: (ما شاء الله) وكان الواجب أن يقول: (ثم شئت)، أو ما شاء الله وحده، فقوله: (بل ما شاء الله وحده) أفضل من قول: (ما شاء الله ثم شئت)، ولكن قوله: (ما شاء الله ثم شئت) مباح؛ لأنه ليس فيه تشريك، فالمذموم هو (ما شاء الله وشئت)، فكيف بالذي يقول: ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار يقول هذا أحد الباطنية لزعيمٍ من زعمائهم، وهؤلاء أكفر من اليهود والنصارى كما قال علماء السنة.

قال: [ولـ ابن ماجة عن الطفيل أخي عائشة لأمها قال: (رأيتُ كأني أتيتُ على نفر من اليهود، قلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله، قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وأنتم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته: قال: هل أخبرت بها أحداً، قلت: نعم.

قال: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن طفيلاً رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمةً كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده)].

هذا الحديث مثل الأحاديث السابقة، فإن لفظة (ما شاء الله وشاء فلان) -سواءٌ أكان المقصود النبي صلى الله عليه وسلم أم غيره- مذمومة من جهتين: الجهة الأولى: أنها تشريك مع الله سبحانه وتعالى بلفظ الواو.

الجهة الثانية: أن فيها إثبات مشيئة الإنسان وإرادته في أمر من الأمور، والواجب أن يُفرَد الله سبحانه وتعالى بها فيقال: ما شاء الله وحده.

<<  <  ج: ص:  >  >>