للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صرف المحبة لغير الله شرك بالله]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥]].

هذه الآية: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥] المعنى الصحيح فيها هو أن هؤلاء يحبون الله عز وجل، لكن لهم أنداد يحبونهم مثل محبة الله سبحانه وتعالى، وهذا هو الشرك الذي وقعوا فيه، فلهذا قال بعد ذلك: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:١٦٥]، يعني: أشد حباً لله من هؤلاء لآلهتهم.

وهذه الآية إنما ذكرها الشيخ هنا وجعلها عنوان الباب من أجل أن يبين أن من أعمال القلوب ما يقع فيه الشرك، وتوحيد الألوهية فيه أعمال الجوارح وأعمال القلوب، فأعمال القلوب مثل: المحبة، والخوف، والرجاء، والإنابة، والتوكل، ونحو ذلك من أنواع العبادات، وأعمال الجوارح مثل: السجود، والركوع، والصلاة، والمظاهر التعبدية التي تكون على جوارح الإنسان.

فالمحبة نوع من أنواع توحيد الألوهية، إذا صرفت لغير الله صارت شركاً أكبر، ولهذا قال الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا} [البقرة:١٦٥].

والأنداد: جمع ند، والند: هو النظير والمثيل والشبيه.

وقوله: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} [البقرة:١٦٥]، يعني: كحب الموحدين لله عز وجل، وهذا فيه إشارة إلى ضابط المحبة الشركية، فضابط المحبة الشركية هو: أن يحب الإنسان محبوبه مثل حب العابد ربه، فالعابد يحب ربه، بمعنى أن قلبه متعلق به ذلاً، وخضوعاً، وانكساراً، وتعظيماً، فهو ليس محبة عادية، فهذا هو المقصود من إيراد هذه الآية تحت هذا الباب.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:٢٤]].

هذا النوع درجة من درجات محبة غير الله سبحانه وتعالى وهي الدرجة التي سبق أن أشرنا إليها، وهي درجة فوق المحبة العادية، وقد لا تصل إلى المحبة الشركية.

يقول تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ} [التوبة:٢٤] إلى آخر ذلك من الأمور الدنيوية {أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} [التوبة:٢٤]، فإذا كان هناك أوامر عند الأب أو الابن، أو كانت هناك متطلبات للتجارة، أو المساكن، أو نحو ذلك، فإنكم تطيعونها أكثر من طاعتكم لله عز وجل، فهذا هو الشرك الذي يقع الإنسان فيه، وهذه المحبة بحسب درجتها، فإذا كانت مثل محبة الله عز وجل أو أشد فهي الشرك المخرج، وإن كانت أقل من ذلك -كما هو المشهور عند الناس والغالب في المسلمين- فهي من الشرك الأصغر الذي لا يصل إلى الشرك الأكبر.

ومن أنواع الشرك الأكبر فيما يتعلق بهذه الأمور الدنيوية إحجام بعض الناس عن الالتزام بالإسلام، كأن يكون كافراً وعنده رغبة في الالتزام بالإسلام، فيرده عن ذلك تعلقه ومحبته للوطن أو للأهل، أو للدولة، أو للأقارب، كمثل ما حصل لـ هرقل عظيم الروم، حيث عرف الحق، وأن هذا الدين هو دين الله عز وجل، ولكن الطمع في الدنيا، والتعلق بالملك جعله يعرض عن هذا الدين، مع أنه يعرف أنه الحق، والعياذ بالله.

ومثل بعض أصحاب وفد نجران حيث أتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان فيهم بعض رهبان النصارى، فعرفوا النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه على الحق، ولكن لأن لهم سلطاناً، ومكانة ومنزلة، وأثراً في الناس ما أحبوا أن يتخلوا عن هذه المكاسب الدنيوية من أجل الالتزام بالدين، فأعرضوا -والعياذ بالله- عن الالتزام بالدين لأجل هذه المكاسب الدنيوية، فهذا نوع أيضاً من أنواع الشرك.

إذاً: شرك المحبة المخرج من الملة قد يقع فيه الإنسان الذي لم يسلم بعد، فيصده عن الإسلام، وقد يقع فيه من كان مسلماً، حيث تصل به محبة الدنيا إلى درجة أنه يحبها مثل محبة الله عز وجل أو أكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>